.comment-link {margin-left:.6em;}

Zandaqa-1

Monday, April 16, 2007

خطوة جديدة مع زندقة

تم نقل هذا الموقع ليصير جزءاً من مدونات "مجتمع ثروة"" ويمكن زيارته من الآن فصاعداً على العنوان التالي:ـ

http://www.tharwacommunity.org/zandaqa/

Friday, November 24, 2006

نحو نظامٍ عالمي جديد: مساهمة هرطوقية


عن أمارجي


كلُّ هذا الانقسام بين المحافظين الجدد والواقعيين، بين المدافعين عن الديمقراطية والمدافعين عن الإلزام، هو في الواقع بلا أيّ معنى ولا يصيب كبد الحقيقة. ذلك أنَّ ما من طرف لديه ما يجترح اختلافاً في مشكلات منطقتنا المُحَاصَرَة، فما بالك بمشكلات العالم، أو ما يجترح أي تقدّم جدّي في الحرب على الإرهاب. وهذان الطرفان ينزعان على امتداح سياسات هي في جوهرها غير جوهرية وتمهّد السبيل أمام مزيدٍ من تدهور الأوضاع ليس في شطرنا من العالم فحسب، بل في كل مكان.ـ


يعكس هذا الانقسام أزمة هوية خطيرة نزلت بالولايات المتحدة ولا تزال في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء ما أدعوه الطور الأول من الحرب الباردة، إذ أعتقد أنَّ الحرب الباردة لا تزال قائمة بين ظهرانينا مكتفية بالتحول من مواجهة ثنائية الأقطاب أساساً إلى مواجهة متعددة الأقطاب واضحة وعالمية النطاق، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، وإلى حدٍّ ما اليابان، فضلاً عن قوى إقليمية مختلفة، مثل تركيا وإيران والهند، وكندا وأستراليا بوضعهما المحيّر، لا تزال تبحث عن دور وهوية عالميين.ـ

والحال، أنّ لأزمة الهوية في الولايات المتحدة ما يكافئها في غير مكان من العالم، ليس بين دول العالم الأول فقط بل أيضاً في أرجاء مناطق العالم "الأدنى"، حيث يمثّل الإرهاب الإسلامي واحداً من تجلياتها. وجميع الأطراف منكبّة، في الواقع، على تصدير أزمة هويتها الخاصة وكثيرٍ من عواقبها الحتمية إلى العالم ككل. وعادة ما يكون لمثل هذه السلعة المصدَّرة أثرها المدمِّر على شعوب العالم "الأدنى" في ظلّ غياب إطار مؤسساتي يمكن للنظام العالمي الجديد أن يقوم عليه.ـ

كان النظر في الحاجة إلى إطلاق سيرورات جديدة والشروع ببناء نظام عالمي جديد قد تمّ في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي وغزو العراق للكويت عام 1990. واللافت أنَّ الإدارة الأميركية في ذلك الحين لم تكن مستعدّة لمواصلة انتصارها حتى الإطاحة بنظام صدّام حسين خشية أن يخلق ذلك مشكلات وتصدّعات خطيرة في التحالف الدولي القائم آنذاك. وكان ذلك دلالة على أنَّ العالم القادر على الاتفاق على تحالف يرمي إلى استعادة وضعٍ قائمٍ معين، يواجه مشكلات كبرى لدى استخدام القوة في تغيير نظام من الأنظمة، بصرف النظر عن المبررات التي يمكن أن تُسْتَخْدَم في ذلك. وكان ثمة شيء مفقود في المعادلة القائمة، ألا وهو قواعد الأمم المتحدة التي تتيح ذلك، وما من أحد كان يريد أن يجرّب شيئاً جديداً.ـ

وكانت عملية السلام التي أطلقها مؤتمر مدريد عام 1991 ودامت حتى عام 2000 سبيلاً آخر لخلق وقائع جديدة في الشرق الأوسط، لكن هذه المحاولة انتهت إلى الفشل لأسباب كثيرة، من أهمها – وهو سبب لم يُدْرَس بما فيه الكفاية – أنَّ أوروبا وروسيا والولايات المتحدة قد فشلت في التعاون معاً على هذا الصعيد ذلك التعاون المؤثّر، وبدت في بعض الأحيان كما لو أنها تتنازع وتقوّض مبادرات بعضها بعضاً. وهذا ما ساعد على إطالة أمد المحادثات وأعطى للقوى الراديكالية والمفسدين فرصة التدخّل. أما أسباب هذا العجز عن التعاون حتى بين الحلفاء، القدامى والجدد، فهو أنَّ عمليات مماثلة أو حاجةً إلى حدوث عمليات مماثلة كانت قائمة في غير مكان من العالم، وغالباً ما كانت مصالح القوى العالمية المعنية متصارعة ولم تقدّم الأمم المتحدة، بصيغتها الحالية، ذلك السبيل الكافي للتحكيم بين الأطراف المختلفة والفصل في نزاعاتها.ـ

وهذا ما دفع القوى المختلفة لأن تعمل، مباشرةً أو بصورة غير مقصودة، على إفساد مطامح وخطط بعضها بعضاً. فالولايات المتحدة وأوروبا عارضتا روسيا في الشيشان، ونازعتا مصالحها في غير مكان من القوقاز وآسيا الوسطى، وكذلك عارضت روسيا الخطط الأميركية والأوروبية في الشرق الأوسط. وأرادت الصين من العالم أن يتقبّل موقفها من تايوان ويقبلها هي كقوة عظمى جديدة مع كلّ الحيثيات المترتبة على ذلك، لكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كانا يعيشان وضعاً أصعب من أن يتيح لهما قبول ذلك مع جميع تشعباته، ولذلك اختارت الصين أن تعمل كقوة إفساد على صعيد الكثير من القضايا.ـ

كانت القوى المختلفة قد أعلنت حقّها في مناطق نفوذها قبل زمن طويل من بروز الصين، لكن هذه الأخيرة باتت تريد حصّتها الآن من الأسلاب وفي عملية صنع القرار الدولي. وهو وضع يذكّر كثيراً بموقف ألمانيا في أوائل القرن العشرين، على الرغم من وجود اختلافات كثيرة. فالأشكال الحالية من الهيمنة والنفوذ الإقليمي هي أشدّ حذقاً وبراعة مما كانت عليه، وكذلك دور الصين أيضاً كعامل إفساد.ـ

والحال، أنَّ إخفاق المؤسسات الدولية القائمة في توفير سبيل جديد لعملية صنع القرار الدولي والتحكيم الدولي شجّع على اللجوء إلى مؤسسات جديدة مثل قمة الثمانية الكبار أو على توسيع مؤسسات قديمة مثل الناتو. كما شجّع أيضاً على تشكيل تحالفات مؤقتة واللجوء إلى أعمال من طرف واحد عندما يستلزم الأمر.ـ

ومن الواضح أنَّ هذا الوضع قد أدّى إلى قيام مشكلات كثيرة والحيلولة دون حلّ كثير من الصراعات حول العالم. وما يحتاجه العالم اليوم لإقامة نظام عالمي جديد جدير بهذا الاسم هو إقامة الإطار المفاهيمي والمؤسساتي المناسب لهذا النظام. فقبل أن نتمكّن من الكلام على خطط مارشال في هذه المنطقة أو تلك، أو على عملية مدريد أو برشلونة جديدة، دَعْ عنك التفكير الفاعل في إطلاق عمليات مشاركةٍ قادرةٍ فعلاً على إطلاق الثمار المرغوبة وليس إطلاق النار والانفجارات في وجوهنا جميعاً، لا بدّ للعالم من مؤتمر عالمي جديد مماثل لتلك المؤتمرات التي عُقِدَت في الأيام الخوالي في كلّ من فيرساي ويالطا.ـ

وعلى هذا المؤتمر أن يركّز على الحاجة إلى الاتفاق على مجموعة جديدة من القواعد والترتيبات والمؤسسات التي يمكن أن تساعد في إقامة الإطار الشامل للنظام العالمي الجديد الذي نحتاج إليه ونرغب فيه. لا نستطيع أن نواصل تعثّرنا من أزمة إلى أخرى على هذا النحو. وهذا الحال لا يبشّر بمستقبل حسن على الإطلاق، ولن يدوم طويلاً. كما أنّ الفراغ النظري والمفاهيمي القائم اليوم في حقل العلاقات الدولية لا بدّ أن يمهّد السبيل أمام مواجهات كبيرة، سيقوم كثير منها في منطقتنا بلا شكّ، ويبدو أن إحداها تلوح في أفق المستقبل القريب بالفعل. فعلى الرغم من الأسلحة النووية وقَدْرٍ أعظم من دهاء السياسة، لم تخرج الحرب العالمية من المعادلة تماماً، كما يروق لنا أن نظنّ، لكي نكتفي بما أحرزنا من نجاح. وحين يتعلّق الأمر بصنع السلام، فإننا لم نحرز في الحقيقة ذلك القدر المهمّ من النجاح.ـ

تعليقات:ـ


دِكْ: ـ


أرى أن هناك تحول آخر. فالدول القومية لم تعد اللاعب الوحيد أو الأساسي على الخشبة العالمية. فالقوة تمارسها على نحوٍ متزايد حركات أصغر تقوم ضمن الدول (إيرلندا، إسبانيا، السودان، الخ..) والأهم من ذلك عبر الدول (الاشتراكية الأممية، القاعدة، الخ...).ـ

ولذلك فإن قضايا القرن الواحد والعشرين تختلف نوعياً عن قضايا القرن التاسع عشر والقرن العشرين (على الأقل في النصف الأول من هذا الأخير).ـ

والحلول لم تتضح بعد. ولا أعتقد أنها ستبزغ من صراع جديد بين الأمم. فمقارعة النار بالنار تبدو مشتملةً على شيء ينسجم مع سياسة القوة القائم على أساس من الأخلاق والتي تعمل عملها عبر الحدود القومية.
أما الآن، فأنا أوافق على قوانا الخاصة بوصفها الشبه الأقرب إلى ذلك.ـ

أليكس:ـ

عالم واحد (نظام عالمي جديد؟) أم لا.ـ

تلك هي ملاحظاتي:ـ

بنى القوة أحادية القطب وثنائية الأقطاب ومتعددة الأقطاب جميعها إشكالية.ـ

لقد سبق لنا أن جرّبنا ثنائية القطب. وكانت القوتان من القوة بمكان لدرجة أنهما لم تجرؤا على مواجهة واحدتهما الأخرى، وكان ذلك شيئاً عظيماً. لكنهما كانتا تريدان الشيء الأفضل التالي: الحرب الباردة التي لا نهاية لها. واليوم تثبت تجربة القوة أحادية القطب أنها كارثية.ـ

أما الانتقال إلى بنية متعددة الأقطاب... فليس ثمة سبيل يسير متاح للتوصل أمام أية تسوية، سواء كانت داخل إطار الأمم المتحدة أم لا، توافق عليها بسلاسة جميع القوى المعنية. ففي مجلس الأمن تلك القوى الخمس الدائمة، واليوم تحسب الهند واليابان وألمانيا، وحتى إيران، أنها تستحق أن تلعب دوراً أبرز في المنظمة الدولية. أين ترسم الخط الذي يشمل البلدان "الأقوى" ويضمها إلى نادي VIP جديد؟ كما أنَّ النوايا المعلنة الخاصة بإصلاح مجلس الأمن سرعان ما دعت كلّ بلد مرشّح محتمل إلى إطلاق حملة دولية ترمي إلى إعلام بقية العالم بأهميته.ـ

لا أعلم ما الذي يشير إليه عمّار حين يدعو إلى إطار مؤسساتي يمكن أن يرتكز عليه النظام العالمي الجديد الناشئ. ومهما يكن ذلك، فإنه سيبقى هنالك على الدوام قوة عظمى أو أكثر تصنع القرارات تبعاً لمصلحتها الأنانية بصرف النظر عن الإطار الجديد الذي تقترحه. ـ

لماذا؟

لأنه ما دامت الديمقراطية تقول إن على الزعيم المُنْتَخَب أن يُحَاسَب داخل بلده وحسب، وعندما يتعلق الأمر باللعب على الخشبة العالمية، تغدو الأنا القومية باعثاً أقوى من الحاجة إلى إنصاف الآخرين، فسوف نواجه الكثير ممّا نواجهه الآن.
وكما قلت هنا منذ أسابيع خلت، ثمة ما هو خطأ عندما يكون الأميركيون هم الطرف الوحيد الذي يُتاح له أن ينتخب رئيس الولايات المتحدة، في الوقت الذي تموت فيه شعوب الشرق الأوسط يومياً من جرّاء هذا القرار الذي اتّخذه الشعب الأميركي في أن ينتخب ذاك الرئيس وتلك الإدارة. كم هو عدد الأشخاص في الشرق الأوسط وأوروبا الذين شعروا بالإحباط حين وجدوا الشعب الأميركي يصوّت للإبقاء على الإدارة ذاتها؟

ومن الأمثلة الأخرى على ذلك مقدار التهديد الذي تشعر به إسرائيل إزاء الرئيس الإيراني المتطرف الذي انتخبه الإيرانيون... أتحسبون أن الإسرائيليين لا يحلمون بطريقةٍ يمكن لهم من خلالها أن يعكسوا قرار الناخبين الإيرانيين؟
وهذه الإحباطات غالباً ما تُتَرجَم إلى غضبٍ، ثم إلى دعم للأفعال العنيفة ومشاركة فيها.ـ

إننا بحاجة إلى تعليم مواطني القوة العظمى الوحيدة أن يهتموا بالأطفال العراقيين بقدر اهتمامهم بالجنود الأميركيين. عندئذٍ يمكن لنا أن نعيش عيشة هانئة مع قوة عظمى وحيدة أميركية لا تلوي القواعد الدولية لمصلحتها دون كبير اعتبار للبلدان الأخرى والشعوب الأخرى.ـ

لو لم تخلط أميركا مصالحها النفطية (ومصالح إسرائيل، والحاجة إلى معاقبة صدام لمحاولته اغتيال الرئيس بوش الأب) مع "مساعدة الشرق الأوسط على أن يغدو ديمقراطياً" لعلنا كنا قد توصلنا اليوم إلى نتائج مختلفة.ـ

أليكس:ـ

لقد راقتني كثيراً رسالة عمّار الجديدة. فعلى هذا الصعيد، الذي لا أحد يملك المفتاح لحلّ جميع صراعاته الجارية، نحن بحاجة إلى أن نطرح الأسئلة الصحيحة، مثل تلك التي يطرحها عمار هنا.ـ

واعتقادي أننا نستطيع أيضاً أن نتعلّم الكثير من سؤال مباشر أبسط بكثير طرحه عدد من الصحف الغربية (البريطانية والكندية والمكسيكية... ) عن الطرف الذي يمثّل أكبر خطر على السلام العالمي.ـ

لماذا تكون إسرائيل المكان الوحيد الذي تشعر فيه الأغلبية أن الرئيس الأميركي لا يشكّل تهديداً للسلام؟

كيف يمكن للشعب في إنجلترا أن يرى الأمور بطريقةٍ تعاكس تماماً الطريقة التي يراها بها الشعب الإسرائيلي؟

لعله حان الوقت لكي نعترف بأن مستوى النفاق وتشويه المعلومات في بعض الديمقراطيات (وأنتم تعلمون أيّها) قد بلغ خلال السنوات القليلة الماضية درجة تضاهي ما لدى صحف الحزب الحاكم في أعتى الدكتاتوريات العربية.ـ

عمار: ـ

لقد أثارت رسالتي بعض الردود الخاصة اللافتة. بل إن صديقاً حقيقياً لي قد أرسل رابطاً يصل بمقالةٍ على موقع منظمته بعنوان "الأمم المتحدة ومبدأ المشاركة". لكن هذه المقالة تشير إلى نوعٍ من المثل الأعلى الذي يحتاج زمناً كيما يتحقق.
وحين يتعلّق الأمر بالأمم المتحدة، فإن لدي اقتراح محدد تماماً:ـ

ينبغي حقّاً إلغاء مجلس الأمن وأن يتاح لجميع البلدان التصويت على القضايا المطروحة، لكنني لا أدافع عن نظام للتصويت متساوٍ، لأن ذلك لن يفرّق بين الدول الصغيرة والكبيرة، وبين الدكتاتوريات والديمقراطيات. ما أدافع عنه هو فكرة التصويت الموزون حيث يكون صوت كل بلد تبعاً لعاملين: GNP ومؤشر الحريات (وهو مؤشر خاص يأخذ في حسبانه قضايا مثل حكم القانون والنظام الانتخابي والشفافية وحرية التعبير والمساواة بين الجنسين، الخ).ـ

وليس هذا النظام بالكامل، وهو يميّز ضد الدول الصغيرة. لكنه أيضاً يشجّع هذه الأخيرة على إقامة تحالفات، إقليمية أو بحسب القضية المطروحة. كما يشجّع الدول على الاضطلاع بمشكلاتها التنموية ونواقصها من حيث الحريات كيما تكسب لصوتها مزيداً من الثقل. فما إن تعلم الدول والشعوب إن لها كلمة ورهاناً في النظام، حتى تفعل ما بوسعها لتصل بنفوذها إلى أقصاه. ومثل هذا النظام سوف يوفّر لها طريقةً بنّاءة لفعل ذلك.ـ

حقّاً إن هذا النظام ليس بالكامل ويمكن أن يساء إليه. فالقوى العظمى لن تكفّ عن إيجاد سبيل للتلاعب بالدول الصغرى. غير أن هذا النظام يوفّر أساساً واقعياً لنشوء ديمقراطية عالمية من هذا النوع أو ذاك، ولمواصلة إكمالها من خلال آلية التصويت المقترحة. فالمؤشرات المقترحة يمكن حسابها سنوياً أو كل فصل. وفي وقت ما لعله يغدو من الممكن ممارسة ذلك يومياً.ـ

ما لم نبدأ التفكير في توجّهات كهذه، مهما بدت في هذه المرحلة، فإننا سنواصل التعثّر دون رؤيا، وهذا شيء خطير في عالم مثقل بصراعات كثيرة ومصالح متداخلة.ـ

نورمان: ـ

ما رأيته بعد انهيار الاتحاد السوفيتي هو أن الناتو ووارسو قد انتقلا من التنافس على حبّ بلدان العالم الثالث إلى التعاون على سلب العالم الثالث وقتله. والحل الوحيد للإرهاب العالمي هو وجود قانون عالمي تلتزم به الأمم جميعاً حيث يجري حل الخلاف في محكمة دولية وليس في ساحة المعركة. وعندئذ فقط سوف يعلم الضعفاء أن بمقدورهم أن يحصلوا على حقوقهم بوسائل سلمية وأن ما من سبب يدعوهم إلى التماس الإرهاب وسيلة للحصول على هذه الحقوق، ولا حاجة للسعي وراء أسلحة الدمار الشامل للحيلولة دون اعتداء قوة عظمى. والمؤسف أنني لست متفائلة بأن تلتزم الدول العظمى بنظام قانوني عالمي.ـ


Sunday, November 05, 2006

إِشْرَاك سوريا – فرصة أم فَخّ؟


ما يلي هو ملخّص مُكَثَّف لما قدَّمْتُهُ في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكينغز". وكان "الطرف الآخر"، إذا جاز القول، مُمَثَّلاً بشريكي المُفَضَّل جوشوا لانديس.ـ



- كما هي الحال في المشاركة العسكرية، فإنَّ للمشاركة السياسية قواعدها. وإحدى هذه القواعد هي التالية: عند التعامل مع أنظمة سلطوية فاسدة، خاصةً إذا كان لديها بعض الحافز الإيديولوجي مهما يكن ضئيلاً، لا تُعط أكثر مما تأخذ، وإلا انتهيت إلى خلق مشكلة في المستقبل أكبر من تلك التي تحاول أن تحلّها.ـ


- حقيقة أن سوريا وإيران مهمّتان وحيويتان في المنطقة لا يعني بالضرورة أنَّ من الممكن إشراك النظامين أو أنَّ قواعد المشاركة السياسية المقترحة هي قواعد عملية ويمكن أن تفضي إلى النتائج المرغوب فيها: السلام والاستقرار في المنطقة، وبعض التقدّم الملموس في الحرب العالمية على الإرهاب، حيث يبدو هذا الأمر الأخير وكأنه يشكّل سياقاً عاماً للتدخّل الأميركي الحالي في المنطقة وللدافع الديمقراطي بأكمله.ـ


- أولئك الذين يدافعون عن إشراك آل الأسد يميلون إلى تصويرهم كزعماء قوميين، لكن في الوقت الذي يمكن أن نصدّق فيه نوعاً ما من يقول إن حافظ الأسد كان قائداً قومياً، رغم أخطائه وعيوبه، فإن بشار وشركاه يبدون مدفوعين بالطمع الشخصي وشهوة السلطة أكثر من الاعتبارات القومية. لا، هذا لا يعني أن آل الأسد مجرّدون تماماً من القناعات والمصالح القومية، بل يعني أنهم غالباً ما يميلون إلى الخلط بين هذه المصالح القومية والمصالح الشخصية، والعائلية، وبدرجة أقلّ الطائفية، وغالباً ما يتجاوزون الحدّ فيما يتعلق بالمصالح الشخصية والضيقة.ـ


- أولئك الذين يدعون إلى إشراك آل الأسد يبدون دوماً على استعداد لأن يسلّموا، حتى قبل إجراء أية مباحثات، ليس الجولان وحسب، بل أيضاً لبنان، وأجزاء من العراق والمناطق الفلسطينية لكي يمارس فيها آل الأسد سيطرة مباشرة أو غير مباشرة. غير أنه ليس من الواضح مطلقاً ما الذي يجعل في مصلحة الولايات المتحدة أن تسلّم كل هذا القدر لنظام فاسد وسلطوي جَعَل من هزيمة الولايات المتحدة شغله الشاغل لعقود؟ كيف يمكن لمثل هذه التنازلات أن تجعل آل الأسد أقلّ رغبة في إلحاق الهزيمة بالولايات المتحدة؟ وما الضمانات لئلاّ يسيء آل الأسد إدارة شؤون مجالهم "المُكْتَسَب" فلا يغدون أكثر طموحاً وإشكالية في المستقبل؟


- القسوة التي تم بها التعامل مع التحقيق في مقتل الحريري من قِبَل دعاة الإشراك هي قسوة لافتة بالفعل، إذْ يبدوا أنهم مرتاحون تماماً لفكرة تقويض المحكمة الدولية. كيف يمكن أن نتوقّع من دول هذه المنطقة أن تحترم حدود واحدتها الأخرى وسيادتها حين يبدو المجتمع الدولي جاهزاً دوماً للخضوع لمطالب وابتزاز وتهديد العناصر التي تمارس أشد عمليات البلطجة وقطع الطرق؟ إننا نريد أن تمتثل دول هذه المنطقة، بما فيها إسرائيل، للمعايير والأعراف الدولية المتفق عليها، لا أن تمتثل المعايير والأعراف الدولية للأهواء المحلية والإقليمية في القسوة والخروج على القانون. فالإلحاح على إبقاء هذه المنطقة خاضعة للمحاسبة على أساس مجموعة من القواعد مختلفة وأدنى أخلاقياً لن يعمل إلا على تعزيز هذه القواعد المختلفة وترسيخها.ـ


والأقسى من ذلك على هذا الصعيد هو رفض النظر في التأثير الذي يمكن أن يحدثه إهمال التحقيق في مقتل الحريري على لبنان، والذي بدأ يتجلّى بعد مقتل الحريري مباشرةً. فمثل هذا التطور يمكن أن يمهّد الطريق أمام انفجار نهائيّ ويفسح المجال أمام سيطرة حزب الله على لبنان. فكيف يمكن أن يخدم ذلك مصالح الولايات المتحدة، وكيف يمكن لانفجار لبنان، أو وقوعه تحت سيطرة عليه منظمة إسلاموية، أن يخدم السلام والاستقرار في المنطقة؟


- ينبغي الربط بين النقاط السابقة وتطورات معينة كانت قد حصلت في السنوات الماضية وكثيراً ما يتم تجاهلها على الرغم من صعوبة ذلك، أعني: الإقصاء الأخير لإثنين من منافسي إيران التقليديين، وهما طالبان ونظام صدام. وبذلك تكون مقاربة الإدارة الأميركية القائمة على المواجهة قد عملت على دَعْم النظام الإيراني. وما يقترحه المدافعون عن الإشراك الآن هو دعم نظام آل الأسد وحزب الله، حليفي إيران الأساسيين في المنطقة. وعند النظر في ذلك كله، لا يسع المرء ألاّ يتساءل: هل صنّاع السياسة الأميركيون منخرطون على نحو نشط وهادف في محاولة إعادة خلق الإمبراطورية الفارسية، أم أنهم مجرد أشخاص ضعاف العقول ومازوخيين متعصبين؟


- إن المدافعين عن الإشراك يتحدثون عنه كما لو أنّه مهمة آلية بسيطة. وهم ينسون أنه قد جُرِّبَ من قبل وفشل، ليس فقط في عهد حافظ الأسد، بل في عهد بشار، كما في المفاوضات المتعلقة باتفاق الشراكة الأوروبية المتوسطية، وهو اتفاق كلّه جزر دون عصيّ في جوهره، تلك المفاوضات التي تواصلت لأكثر من ثلاث سنوات، بعد أن تجمدت أثناء حكم والده خمس سنوات. لتقوم إدارة بوش بعد ذلك بالضغط على الاتحاد الأوروبي لإضافة بند خاص على الاتفاق، نتيجة لموقف المواجهة الذي اتخذه بشار ضد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق. وهذا ما وضع حداً لتلك المفاوضات في الوقت الراهن.ـ


فلماذا تواصلت المحادثات كل هذه الفترة بشأن اتفاق شديد الوضوح؟ لأنَّ تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي يقتضيها الاتفاق سوف يضرّ بمصلحة النخبة الحاكمة وسوف يفتح النظام، سياسياً واقتصادياً، بتسارع أكبر مما يرتاح له آل الأسد، وهم ما هم عليه من تقلّب الأطوار والأهواء.ـ


وبالمثل، فإنَّ محادثات السلام، ما إن تبدأ، حتى يكون من المرجّح أيضاً أن تتواصل وتتواصل، بصرف النظر عن أية وعود أو التزامات أو ضمانات قد تُعْطَى في البدء. وهذا ما سيوفّر لآل الأسد والإيرانيين الذين يدعمونهم الوقت الكافي لتحطيم التحالف الدولي القائم في مواجهتهم، خاصة وهم يرون الروس والصينيين لا يقفون الموقف ذاته، وأنَّ لدى الأوروبيين 25-30 رأياً بشأن أي شيء وكلّ شيء، وأن لدى الأميركيين رأيين، يكونان في بعض الأحيان بعيدين عن الاستنارة كلاهما. ولدينا، من الطرف الآخر، نظامان ديكتاتوريان يناقشان استراتيجياتهما وتكتيكاتهما خلف الأبواب المغلقة، وليس في مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام وعلى شبكة الإنترنت.ـ


- هل يمكن لآل الأسد أن يكونوا ذوي فائدة في الحرب العالمية على الإرهاب؟ نظراً لكون الطابع الطائفي الأقلوي الذي يميز نظام آل الأسد واحداً من العقبات الأساسية التي تواجه هذا النظام، فإنَّ قدرته على إجراء إصلاحات علمانية لطالما كانت ضعيفة. وحقيقة الأمر، أنَّ النظام – على الرغم من تصفية الحساب مع الإسلاميين، بين سواهم من الجماعات المعارضة، في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وربما بسبب تصفية الحساب هذه – كان قد اضطر إلى تطوير استراتيجية احتواء مزدوجة فيما يتعلّق بإسلاميي البلد والطائفة السنية الأكثرية بوجهٍ عام.ـ


ففيما يتعلّق بالقضايا الاجتماعية والتربوية، تفسح سياسات النظام المجال أمام المذهب السني التقليدي وحكم الشريعة وتشجّع على نشرهما في البلد كلّه، مستخدمة في ذلك المقررات الدينية الإلزامية في البلد والسماح بإقامة مدارس عامة تلحّ على التربية الدينية وحفظ القرآن.ـ


أما فيما يتعلّق بالتيارات الناشطة سياسياً، فالنظام يشجّع على تبنّي ترتيبات خاصة تسمح لمنظمات إرهابية شتى باستخدام البلد كقاعدة عمليات وملجأ آمن في الوقت الذي تنفّذ عملياتها الفعلية في الخارج، غالباً في تطابق مع مصلحة معينةٍ مُتَصَوَّرة للنظام (وقد سبق لهذا النظام أيضاً أن استغل خدمات القواعد الفلسطينية الوطنية العلمانية على هذا الصعيد). وبعبارة أخرى، فإنّ آل الأسد يصدّرون مشكلتهم الإسلامية. وإلقد رأينا كيف لجؤوا إلى ذلك مؤخّراً فيما يتعلّق بالوضع في العراق، لذا، هنالك سبب وجيه للاعتقاد بأنهم سيواصلون القيام بذلك في المستقبل المنظور، حتى لو منحهم المدافعون عن الإشراك كلّ ما يريدونه. فإدراك آل الأسد للتهديد الإسلامي الذي يواجههم لطالما كان شديداً ومُنذراً بالخطر لأنهم ينظرون إلى كامل التطور من ضمن موشور طائفي محض. وبذلك يكون الدور الفعلي لآل الأسد في الحرب العالمية على الإرهاب دوراً سلبياً إلى أبعد الحدود، خاصةً أن طريقتهم المفضّلة في مقارعة الإرهاب هي تصديره، وجَعْلِه مشكلةَ أحدٍ ما آخر، ومن الأفضل أن يكون هذا الآخر الولايات المتحدة. وجلّ ما بوسع آل الأسد تقديمه في هذا الصدد هو القيام بتعذيب بعض المتهمّين بالنيابة، كما فعلوا في حال ماهر عرار وغيره.ـ


- خاتمة: حين نأخذ النقاط السابقة جميعاً بعين الاعتبار، يتّضح أن الاقتراحات الحالية الرامية إلى إشراك آل الأسد لن تقوى على تحقيق الهدف المرغوب، وقد يكون لها مردودها العكسي بسهولة. ذلك أنّها جميعاً تنتهك روحاً ونصاً تلك القاعدة الأساسية في الإشراك السياسي والتي سبق أن أشرنا إليها، فهي تنزع إلى أن تعطي أكثر بكثير مما يمكن أن تأخذه. وهي بذلك سوف تحمي آل الأسد، وتنظّفهم وتُعِدّهم كقوة إقليمية خطرة تماماً يمكن لها، مع حليفيها الوثيقين والقويين مؤخّراً، إيران وحزب الله، أن تشكّل تهديداً هائلاً لمصالح الولايات المتحدة وآفاق الاستقرار والسلام في المنطقة. وعلاوةً على ذلك، فإنَّ إشراك آل الأسد، بدلاً من أن يشكّل بعض التقدّم الملموس في الحرب العالمية على الإرهاب، يمكن أن يجعل المشكلة أسوأ، ذلك أنه في معركة التصورات، سوف يُرَى باعتباره قلباً للسياسة المُعْلَنَة في تغيير النظام من طرف الولايات المتحدة، فما بالك بفرنسا، وهو أمر لا يمكن إلا أن يشجّع الإرهابيين ويمكّنهم.ـ


- توصيات: إذا كان الإشراك ضرورياً، ينبغي أن يتم في سياق مقاربة إقليمية شاملة لا تفسح مجالاً كبيراً أمام المفسدين ولا تتجاهل قضايا الشرعية الدولية المتعلقة بالتنفيذ الكامل لجميع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما فيها الخاصة بإسرائيل، و/أو الحاجة إلى إصلاحات سياسية واقتصادية جدّية في معظم، إن لم يكن في كلّ، الدول المعنية. كما ينبغي إشراك ممثلي حركات المعارضة، والمجتمع المدني، ونشطاء الديمقراطية وحقوق الإنسان فضلاً عن المثقّفين، في المحادثات كوزن يقابل وزن الأنظمة وبغية تمثيل مصالح واهتمامات شعوب المنطقة بشكل الصحيح. أما المقاربات الخطرة التي لا تهدف إلا لتلبية حاجات طرف واحد دون النظر الكافي إلى التشعبات الداخلية أو الإقليمية فسوف يكون لها مردود عكسي، وقد سبق أن كان لها مثل هذه الآثار السلبية على المنطقة والتي تمثّلت بتدعيم مواقف الفاعلين والأنظمة البلطجية، وآل الأسد مثال على ذلك.ـ

Monday, October 30, 2006

هرطقات سريالية


غالباً ما قُورن مأخذي على السياسة السورية بمواقف المحافظين الجدد، ووُجّهت لي اتهامات، شخصياً وفي ركن التعليقات على هذه المدوّنة، بالدعوة للحرب ضد النظام السوري. وهنا ردّ أخير على انتقاد خاص ردّد هذه الأقاويل:ـ

بالنسبة لي، مأخذي على السياسة السورية لا يربطه رابط بالفكر الصهيوني أو تفكير المحافظين الجدد، بل هو يتمحور حول الحقيقة التي يتوجّب علينا أن نتعامل معها في سوريا على أساس يومي. لا يمكنني تجاهل هذه الحقيقة، أو فهمي لها إن شئتُ أن أكون أكثر صدقاً ودقّة، بسبب توافقها مع وجهة نظر أحد المفكرين من المحافظين الجدد في هذه النقطة أو تلك. آل الأسد، على ما هم عليه، زمرة فاسدة وحشية لديها الاستعداد للقيام بكل ما من شأنه أن يبقيها في سدّة الحكم. أنا لم أشكّلهم بهذه الطريقة، ولا أرى سبباً يدفعهم، بإرادتهم المحضة وبغياب أي ضغط، لاختيار تغيير سلوكهم. وإذا كان هناك من يرغب في تجاهل هذه الحقيقة والتعامل مع آل الأسد وكأنهم رجال دولة متعقّلون توجّههم اعتبارات المصلحة الوطنية، عندها سيكون لدي كل الحق في القول أن هؤلاء الناس على خطأ وأنهم سيساهمون في تخريب الأوضاع في البلد بدرجة أكبر مما تفعله الإدارة الحالية التي، وإن كانت تستخدم تكتيكات خاطئة في الكثير من الأحيان، لكنها، على الأقل، ترسم تقييماً صحيحاً؛ أعني أن آل الأسد هي ثلّة من المجرمين المتعذّر إصلاحها أو تغييرها.ـ

لكن إذا كان البعض ممن يقرّون بحقيقة إجرام عائلة الأسد ما زالوا يريدون إجراء محادثات معهم بذريعة السياسة الواقعية وما إلى ذلك، فسيكون هذا مشكلاً يصعب حلّه، لأن تمكين مثل هؤلاء الأشخاص، كما أظهرت أحداث 11/9 بوضوح، لم يعد يلحق الضرر بمصالح شعوب المنطقة فقط، بل بمصالح الشعوب في كافة أنحاء المعمورة. وفي هذا العالم المنكمش باستمرار تنصبّ مشاكلنا غالباً على الرموز الدولية ويتركّز غضبنا على أطراف وقوى خارجية بنفس السهولة التي يتركّز فيها على الفاعلين الداخليين، إن لم يكن بدرجة أكبر، وهي مسألة تسهّلها عملية غسل الدماغ المتواصلة التي نخضع لها والمسحات الثقافية المتداخلة للنظام العالمي القائم والطبيعة البشرية المحافظة.ـ

فساد الأنظمة الحاكمة وطبيعتها الاستبدادية تقوم بمهمة تمزيق النسيج المتمدّن في منطقتنا، مُكرِهة الناس على النكوص إلى أنماط بدائية من الانتماء وأنماط متطرّفة من التفكير، مما يخلق بدوره مشاكل وجودية للأنظمة لا يمكنها مواجهتها سوى بتشجيع تصديرها إلى أمكنة أخرى في المنطقة والعالم. ولهذا السبب، يدعم السعوديون المؤسسات الوهابية والتيارات السلفية في كل أنحاء العالم، ويغازل النظام السوري، مدفوعاً بشكل خاص بخلفيته الأقلّوية التي تحول دون أي إمكانية للإصلاح أو شرعنة خارجية لموقعه، الكثير من الحركات الجهادية في المنطقة، من الثمانينات وحتى الآن.ـ

من جهة أخرى، إذا كان الناس يريدون زيادة جرعة النقد للإدارة الأميركية الحالية، فسيلاقي ذلك استحسان من قبلي، لكني أحذر من مغبة تحوّل نقدنا، أو أن يُحوَّل، باتجاه يدعم السياسات المختلفة في المنطقة والتي تدفعها نحو الكارثة. والحقيقة هي أن لا المحافظون الجدد ولا الليبراليون ولا الواقعيون لديهم أدنى فكرة عن كيفية معالجة الأزمة الحالية. فمشاحناتهم السياسية المتواصلة حول الكثير من القضايا التي لا تتعلّق بالشرق الأوسط، بل تبقى محلية في الغالب، تعزّز إعادة إنتاج شروط الحرب الباردة في المنطقة، حيث تحاول الأنظمة أن تتملّق أحد أطراف الخلاف على أمل الاعتماد عليه لكبح الطرف الآخر حين يقارب اتخاذ بعض القرارات الحرجة التي تخصّ المنطقة.

أضف إلى هذا، القصور المستمر في التنسيق مع الحلفاء في أوروبا، عدم حجز مكان لروسيا والصين في عملية صنع القرارات العالمية، أو الوصول إلى رؤية جديدة لحلف شمال الأطلسي تسمح بالتعويض عن مواطن الضعف في الأمم المتحدة، ناهيك عن التوصّل إلى رؤية فعلية جديدة للأمم المتحدة نفسها، - فهذه تبقى هي القضية الأساسية التي يتوجّب علينا التعامل معها إذا ما أردنا فعلاً أن نبني نظاماً عالمياً جديداً، - وبهذا يصبح لدينا وصفة من أجل كارثة فعلية والتي سنحسّ بها جميعاً.ـ

ما لم يكن هناك إرادة دولية كافية من أجل معالجة هذه التحديات، إرادة يمكن لها أن تقدم نموذجاً للسلام والإصلاح الحقيقي لشعوب المنطقة، مع جَزَر حقيقي وعصي حقيقية والاستعداد لاستعمال كليهما إن تطلّبت الحاجة، فالأمر الوحيد الذي يمكن أن ينتجه التسييس في هذه المرحلة هو الانتقال بنا من كارثة إلى أخرى فأخرى، إلى أن نرتطم بالكارثة الكبرى.ـ

لقد أثبت البشر على الدوام عوزاً حقيقياً كلّما تعلّق الأمر بجهود وقائية حقيقية. إننا نبادر فقط إلى استعادة الأحداث الماضية والتأمل فيها. لكن عندما يتعلّق الأمر بالغطس رأسياً في الكارثة، نكون دوماً السباقين.ـ

لهذا السبب لا أهتم كثيراً بانتقاد إدارة بوش، ما الغرض؟ توصياتي سريالية جداً بالنسبة لأية إدارة من أجل أن تتعهّدها جدياً، وأية انتقادات لدي ستستخدم ببساطة كعلف في معركة سياسية بلا معنى لن تخدم غرضاً حقيقياً، فيما يتعلّق بي على الأقل. السبب الوحيد في اهتمامي بانتقاد جانبنا من المعادلة هو رغبتي في العثور على أناس من نفس التفكير يمكنني العمل والتعاون معهم فيما يتعلق بمشاريعي السريالية، بما فيها مشروع ثروة. ـ


التعليقات:ـ

تعليق أليكس...ـ

لكوني أحد الذين واصلوا انتقادك، شخصياً وفي ركن التعليقات، بسبب عدم قدرتك على إيصال أفكارك بصورة محايدة، جديرة بالثقة، سأوضّح، مرة أخرى، أنه رغم محاولاتك المؤثرة لتوضيح التفكّر القابع خلف تحليلك الأحادي الجانب، ما زالت هناك مشكلة قائمة.ـ

1) كما أشرتَ بحق: إنه فهمك للحقيقة، وليست الحقيقة ذاتها. تعترف دوماً أنه فهمك ولا شيء آخر، لكنك من جهة أخرى تتحدث باقتناع مطلق بالاعتماد على حاستك السادسة، كما تشيرُ أحياناً.ـ

أحياناً تكون مصيباً والبقية منا على خطأ، لكني لم أسمع منك مطلقاً اعترافاً بخطئك بشأن أي موضوع كتبتَ حوله فيما سبق (عندما يتعلق الأمر بآل الأسد). وعندما تناقش أي موضوع آخر، تكون الأكثر تعقلاً وهدوءاً والمثقف الأكثر انفتاحاً.
2) عائلة الأسد أخيار أو أشرار كما هو حال بقية الزعماء في الشرق الأوسط اليوم. وعندما يكون لديك صيغة عملية لتغييرهم جملة، عندها نستطيع جميعاً التمعّن فيها. لكن الآن، وكما اكتشفنا متأخرين، الولايات المتحدة أنزلت "الديمقراطية" في الشرق الأوسط، يتوجّب علينا معايشة آل الأسد (وملك العربية السعودية، ومبارك، وملك البحرين....)، وأن نتوقف عن هدر كل طاقتنا في انتقادهم. و"الرفض" لن يؤدي إلى 11/9 آخر إن أقام الأميركان والإسرائيليين سلاماً مع سوريا.. سيتحول الوضع إلى فساد أكبر مخلوطاً برخاء اقتصادي، مما سيدفع الشباب السوري إلى الفرار من روابط دينية مفرطة في تشددها. إذا لم تتمكن الولايات المتحدة وحلفائها العرب من التخلّص من آل الأسد، فسيكونون (الأميركان) أول الملامين على دفع الشباب السوري باتجاه الإرهاب. وأنت تتجاهل هذه الحقيقة. بمقدور عائلة الأسد فعلاً أن توفّر دعماً فائقاً للجهود الرامية إلى جعل المنطقة أكثر علمانية... لكن الأمر سيتطلّب أن توقف الولايات المتحدة وأصدقاؤها محاولة إسقاط نظام عائلة الأسد ومحاصرته!.. عندما لا يكونون مهدَّدين لن يكونوا بحاجة إلى حلفاء أصوليين يتساهلون معهم الآن.ـ

3) ادعاؤك بأنك لا تنتقد هذه الإدارة لكونك لا تستطيع إحداث فرق ملموس، ينطبق أيضاً على حالة سوريا... فأنت أيضاً لن تساعد على إسقاط آل الأسد أو تجعلهم يغيّرون من سياستهم. إذن، لماذا تصرف 90% من طاقتك (في هذه المدوّنة على الأقل) على آل الأسد؟

4) أنت الشخص الوحيد في المعارضة الجدير بالمناقشة. الآخرون، إما ليسوا ديمقراطيين لكي يتقبّلوا النقد الحاد (كما هنا) أو ليسوا مؤثرين على الإطلاق... ليسوا صادقين، ليسوا أفضل حالاً من آل الأسد. إذن، لماذا نحن متحمسّون للتغيير الشامل؟

5) بإمكانك كسب المزيد من الناس لمشروع "ثروة" إن لم تبعدهم بطريقتك المتطرفة في النظر إلى الأمور. أعرفُ وأنت تعرف بعضاً من الناس الجيدين الذين سيكونون سعداء جداً في تقديم المساعدة لـ"ثروة" إن لم تنفرهم سياسات الجناح اليميني هنا.ـ

هذا فهمي بالطبع.. وقد أكون مخطئاً.ـ

12:23 AM

تعليق عمار...ـ

أليكس.. تطرفي في الحطّ من شأن آل الأسد على أساس سجلاتهم في الظلم والفساد يماثله دفاعك المتطرف عنهم كأبطال للعلمانية، مهما كانوا مخادعين، ومهما كان الاستقرار ضعيفاً وهشّاً. لا يمكن للنظام الأقلّوي الفاسد إلا أن يقود إلى المزيد من الوعي الطائفي والتطرّف الديني في بلد مثل بلدنا. علاوة على ذلك، سيكفل فساد آل الأسد عدم حدوث إصلاحات اقتصادية حقيقية تؤدي إلى تحسين الشروط المعاشية للشباب السوري، حتى بعد عودة مرتفعات الجولان. ستزيد حصص السلام من إثراء آل الأسد فقط، ولن تقدّم شيئاً لبقية البلد، كما حصل بالضبط في مصر بعد اتفاقيات كامب ديفيد؛ سيواصل التطرف نموه وسينفجر في وجوهنا آخر المطاف.ـ

أعرف أنني أفردتُ مجالاً لآل الأسد أكثر مما كان يجب وأكثر مما يستحقونه فعلاً، لكن، كان هذا إلى حدّ ما ردّاً ضرورياً على المحاولة المستمرة في الدفاع عنهم من قبل آخرين، في حين أن لدي فهم مختلف لطبيعة آل الأسد ناتج عن تجربة عملية. ومن جهة أخرى، كان هذا ردّاً أيضاً على شهور من الاستجوابات (في الواقع، جاءت المدوّنة نتيجة لهذه الاستجوابات ولإفساح المجال لي لإسماع صوت انتقادي لآل الأسد إلى جمهور أوسع)، التي دوّنتها وأنا في سوريا، تلاها المنفى، الذي ما زلت أحاول، وكذلك عائلتي، التأقلم معه. لكن بالطبع، منفاي خطأي، ولا يمكن بأية طريقة إلقاء اللوم على فساد واستبداد آل الأسد (؟؟).ـ

ما تزال تريد سماع اعترافي عن خطأي في ما يتعلّق بآل الأسد بشكل خاص. حسناً، إليك: سيدوم حكم آل الأسد أطول مما كنت أتوقع، وهناك احتمال كبير أن لا أرى سوريا مرة أخرى قريباً. لكن يمكن أن يصحّ هذا الاحتمال حتى في أعقاب الانهيار الفعلي لآل الأسد. ـ

بالنسبة لـ"ثروة"، لا تقلق، نحن نتقدّم ببطء لكن بثقة.ـ

1:02 AM

تعليق هاوي...

عمار وأليكس

يذكر عمار أن شيئاً ما ينمو باستمرار "علاوة على ذلك، سيكفل فساد آل الأسد عدم حدوث إصلاحات اقتصادية حقيقية تؤدي إلى تحسين الشروط المعاشية للشباب السوري، حتى بعد عودة مرتفعات الجولان".ـ

يذكّرني هذا بتعليقات عمار حول معادلة الـ "نصر ـ نصر" عندما تكون إسرائيل المهاجمة عموماً... تنتصر إن خسرتَ وتنتصر إن انتصرتَ.ـ

كنت في الجولان... ليس هناك حقاً الشيء الكثير... لا نفط، لا ذهب، ولا الكثير من الناس... نعم هو مهم استراتيجياً، عسكرياً ومصدراً للمياه.ـ

لكن إذا استرجعت سوريا الجولان غداً... ما الذي سيتغير في سوريا... ما عدا ربما تفجّر عاطفي متفاخر بأننا أخيراً تغلبنا على إسرائيل؟

عليّ الاتفاق مع عمار... لا أعتقد أن لدى الأسد خيراً يقدمه للناس. لماذا لا يقول... يعرض انتخابات حرة في سوريا إذا كان يهتمّ بالشعب السوري. هل من الأسهل إثارة مشاعرهم بـ "الجولان" و"أميركا" و"إسرائيل"؟ أعتقد ذلك... أعتقد أن الجولان هو أفضل ما يُغرم به الأسد... عظم يستطيع به إلهاء الجماهير الغائبة التفكير.ـ

1:49 AM

تعليق أليكس...ـ

" أليكس.. تطرفي في الحطّ من شأن آل الأسد على أساس سجلاتهم في الظلم والفساد يماثله دفاعك المتطرف عنهم كأبطال للعلمانية".ـ

حسناً، لكني على الأقل أحدّد "مديحي" لآل الأسد بأمرين اثنين فقط:ـ

1) أعتقد أنهم سيكونون إضافة كبيرة للعلمانية في الشرق الأوسط عندما يكفّ بقية اللاعبين (الولايات المتحدة وحلفاؤها) عن تحدي سوريا.ـ

2) أعتقد أنهم مهتمون بسوريا قوية أكثر بكثير مما تعتقد. ليس لكونهم ثوريين أنقياء، بل لأسباب عدة يمكن أن أناقشها معك لاحقاً إن رغبتَ.ـ

سوريا العلمانية، المستقرة، القوية التي تقيم سلاماً مع إسرائيل هو أفضل ما يمكن يتم في الشرق الأوسط. إذا استطاعت سوريا وإسرائيل التوصّل إلى تفاهم باحترام كل منهما لدور الأخرى المحدّد في الشرق الأوسط، عندها ستكون الأمور أفضل بكثير للجميع.ـ

لكني على خلافك، لا أمتدح كل ما يخص "آل الأسد"، فأنا قادر على قول كل الأشياء السيئة حول فسادهم وسوء إدارتهم وافتقارهم لمهارات العلاقات العامة،
... كل ما أقوله: إنهم أفضل من الخيارات الأخرى.ـ

وبالمناسبة، إن كنت تتذكّر، ناقشنا النقاط التي أثرتها أنت حول ما سيحدث بعد عودة الجولان... تحريرها تدريجياً، وبعيداً عن المعونة والاستثمارات المسيطر عليها، ويمكن أن تكون عودة الجولان نفسها متوقفة على التزام السلطات السورية بمجموعة من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية... وإن لم يرتفعوا إلى مستوى التوقعات، فأنا على ثقة بأن الشعب السوري لن يخيّب أملك يا عمار. سيكون هناك إعادة لمظاهرات بيروت، والشعب السوري لن يتحمّل بعد الآن آل الأسد.ـ

أو أنهم ربما يخطو باتجاه إصلاحات اقتصادية ونصف خطوة باتجاه إصلاحات سياسية... أنا موافق على ذلك.ـ

وليس لدي شكّ بأن مشروع "ثروة" يعمل بشكل جيد، لم أقصد الإشارة ضمناً إلى أنه في ورطة... تمنيت فقط أن يستطيع الكثير من الموهوبين العمل براحة معك.ـ

1:53 AM

تعليق ريم...ـ

أعتقد أن إحدى أكبر مشاكل منطقتنا هو إصرارنا على الإشارة إلى الغرب والصهيونية في كل مرة تصادفنا مشكلة ما...ـ

لن نحلّ مشاكلنا الخاصة إن لم: 1) نعترف أن لدينا مشاكل، و 2) تعيين هذه المشاكل. من مصلحتنا القيام بذلك. لماذا يجب أن يُفسّر نقاش مشاكلنا الخاصة بولاء للأجندة الصهيونية أو الغربية كما الناس في أغلب الأحيان؟

الأمر أسهل من ذلك. قبل تركيز الانتباه على مشاكل الآخرين، عليك أن تحلّ مشاكلك الخاصة. إبدأ من الداخل ومن ثم إعمل للخارج. لسوء الحظ، نحن لم نقترب من حلّ مشاكلنا من الداخل.ـ

5:59 AM

تعليق كيفن...ـ

ما يعجبني في كتابة عمار وتعليقاته هو أنه لا يخشى من تسمية الأشياء بمسمياتها. كثيرون اليوم يخشون ذلك. يخشون الجهر بالحقيقة لأنه ربما تُستخدم من قبل "الطرف الآخر" لخدمة أجندته الخاصة. يُلاحظ هذا في أجهزة الإعلام الأميركية وتقاريرها حول إيران. المراسلون والكتاب من الجناح اليساري يناقشون علناً فيما إذا كان يتوجّب عليهم الكتابة حول إيران، مع احتمال أن تُستخدم هذه التقارير من قبل الذين "يرغبون بالحرب" مع إيران.ـ

إذا كان آل الأسد "جيدون" بسبب إبقائهم سوريا في المعسكر العلماني، يمكن القول أن ستالين كان أيضاً "جيداً" بسبب إبقائه روسيا في المعسكر العلماني. يبدو لي أن أليكس يريد سوريا قوية ومزدهرة بغض النظر عن طبيعة الحكومة. ومن الناحية الأخرى يريد عمار صيغة "ديمراطية" للحكومة ستنتج سوريا قوية ومزدهرة. يتوجّب عليّ الوقوف في صف عمار؛ تدخّل حكومي أقل يخلق بلداً قوياً ومزدهراً. فالديكتاتورية، بغض النظر عن درجة اعتدالها، تقوم على أساس التدخل الحكومي الشامل في القطاع الخاص. ربما تخلق الديكتاتورية فترة ازدهار أو شوط ازدهار قصير، لكن في النهاية ستخضع إلى حاجتها المتأصّلة للسيطرة.ـ

سؤالي لأليكس وعمار وأي واحد آخر: لماذا في سوريا (وأعتقد في بقية الشرق الأوسط) يجب أن يكون المرء متطرفاً أو أصولياً لكي "يواجه بجرأة" الولايات المتحدة؟ لماذا لا يمكن لشاب سوري أن يصبح علمانياً ويبقى معارضاً للولايات المتحدة؟ لماذا يجب أن يصبح المرء في العالم العربي مدمراً ذاتياً لكي "يواجه بجرأة" الولايات المتحدة؟

2:32 PM

تعليق أليكس...

لكن يا كيفن... لو كان لدينا الخيار لإقامة الديمقراطية في سوريا في وقت قريب، سأتفق أيضاً مع عمار. الخيار ببساطة ليس هناك، وأنا أحاول أن أجد الخيار التالي الأفضل، بدلاً من مجرد المقاطعة.ـ

لذا، لا أعتقد أن استخدام اسم ستالين يثبت أن اقتراحي، الذي سيقود إلى إصلاحات اقتصادية وبعض الإصلاحات السياسية، هو تصويت لصالح قيادة سورية شبيهة بالستالينية.ـ

سؤالك الثاني: ليس كل أولئك الذين يعارضون الولايات المتحدة هم متطرفون وأصوليون... أغلب الشعب السوري يكره الولايات المتحدة اليوم... ومعظمهم يودّ صداقة الولايات المتحدة إن تغيّرت بعض الأمور.ـ

3:36 PM

تعليق عمار...ـ

أليكس: " 1): أعتقد أنهم سيكونون إضافة كبيرة للعلمانية في الشرق الأوسط عندما يكفّ بقية اللاعبين (الولايات المتحدة وحلفاؤها) عن تحدي سوريا.ـ

2) أعتقد أنهم مهتمون بسوريا قوية أكثر بكثير مما تعتقد. ليس لكونهم ثوريين أنقياء، بل لأسباب عدة يمكن أن أناقشها معك لاحقاً إن رغبتَ."ـ

أتعتقد ذلك، يا أليكس؟ هل هذه عناصر إيمانية جازمة بالنسبة لك؟. آمل ألا تكون، وإلا فلن أشعر بالراحة في تفنيدها.ـ

1) عليك أن تسأل صديقنا جوشوا لانديس عن دراسته حول تآكل العلمانية في المدارس السورية في ظل حكم آل الأسد. لنضع نصب أعيننا أن حافظ الأسد شجّع وموّل أكثر من 400 مركزاً لتعليم القرآن في كافة أنحاء الريف السوري تؤدّي الآن، إلى هذا الحد أو ذاك، وظيفة المدارس التقليدية المسؤولة عن إنتاج الآلاف من الحمقى الذين يعظون بخليط عجيب من العقيدة السلفية والصوفية الجاهلة، بالضبط ما تحتاجه سوريا العلمانية في هذه المرحلة. بالإضافة إلى هذا، تسامح آل الأسد وشجعوا تفتح كل التنويعات في الدوائر الإسلامية أواخر الثمانينات والتسعينات، وصولاً إلى هذه اللحظة، في محاولة حمقاء لحصر اتجاه عواطف السنة في تصوّف سياسي وتجهيل اجتماعي، وصولاً إلى التحكم بالسنة وإذلالهم في نفس الوقت، كم هذا مضحك!. لكن هذا يكفي. أقصد، ينبغي أن تعرف كل هذه الأمور ، أو يمكن تجري بحثاً حولها بنفسك. النقطة الأساسية: لا، آل الأسد ليسوا جيدين بالنسبة لعلمنة سوريا.ـ

2) ليس لدي شك بأن آل الأسد مهتمّون بسوريا قوية. لكنهم أيضاً مهتمون أكثر بإحكام قبضتهم على زمام السلطة بلا حدود، وليست لديهم أدنى فكرة أو رغبة للابتعاد عن الترتيبات الطائفية الموجودة، لأنهم يراكمون أموالهم عن طريق التلاعب بها. إن تأسيس سوريا قوية وإبقائها تحت السيطرة في الوقت نفسه هي مجرد أضغاث أحلام. خمّن الجانب الذي يرغبون في ارتكاب الخطأ حوله؟

لا يا صديقي، الديكتاتوريون سوف لن يختاروا الانسحاب. يتحتم طردهم. لا أريد للأميركان أن يقوموا بذلك من أجلنا، لكني لا أريدهم أيضاً أن يصعّبوا الأمور علينا بتشجيعهم آل الأسد من خلال بعض السياسات الكلبية الحمقاء، بالاستناد إلى خسائر محسوسة، بغض النظر عما يكلّفنا ذلك.ـ

لم أطلب من الأميركان أبداً أن يأتوا لإنقاذنا، والمؤكّد أننا كنا ننصحهم بعدم التدخّل منذ 11/9. لكن منذ أن أصبح التدخل أمراً واقعاً، منذ غزو العراق، كان لزاماً عليّ أن أعدّل موقفي. ليس من الجائز للأميركان (والأوروبيين) الرحيل دون إيجاد آلية واقعية واضحة لترتيب كل الأمور لما بعد انسحابهم. ليس من الجائز أن يتركوننا في فوضى لا أحد منا (نحن الليبراليون والديمقراطيون) قادر على التخلص منها؛ فوضى ستُوقع المنطقة أكثر فأكثر تحت رحمة تجاذبات كل تلاوين القوى والزمر الجشعة. ـ

لقد قلتُ من قبل أنني سأدعم عملية إقليمية تقصد التعامل مع كل المشاكل المعلّقة. الترتيبات التي يمكن أن تلائم مصالح آل الأسد فقط ستدعنا تحت رحمتهم وستوقع سوريا في شرك تحالفات وترتيبات عنكبوتية ستؤثّر عكسياً.ـ

إذا لم يدرك الأميركان والأوروبيون الحكمة من هذا الآن، فدعهم يعملون ببطء أكثر فأكثر إلى أن يدركوا.ـ

في هذا العالم المعولم، حيث أن الكثير من أنظمتنا دُعمت وفُرضت علينا من قبل قوى خارجية، وحيث أن تمردنا وغضبنا يستهدف الخارج، لا يمكن أن يأتي التغيير على أيدي الفاعلين المحليين فقط، ولا برعاية الفاعلين الخارجيين الذين يعملون وفق افتراضات ثقافية وهموم ومخاوف أمنية واجتماعية ـ اقتصادية معينة، يجب أن تكون تتضافر الجهود، ويتشارك اللاعبون جميعهم، وتُستخدم كمية كبيرة من الجزر ومن العصي والإرادة السياسية إلى جانب بعضها البعض، على امتداد فترة زمنية معقولة. ولا شيء أقل من هذا يمكن أن يُنجَز.ـ

إن كان هذا يبدو غير معقول في مقاربته للأمور، فليكن، لم أجلس على طاولة المفاوضات بعد، لذا يتوجّب عليّ أن أكون غير معقول. ضع ما هو واقعي على الطاولة، ومن ثم دعني أعيد تقييم مستوى معقوليتي.ـ

من جهة أخرى، يتوجّب علي القول، وقد أرضت غروري ملاحظاتك عني، أنني لست بالتأكيد شخصاً وحيداً في البرية عندما يتعلق الأمر بنشطاء المعارضة. هناك عدد كبير نسبياً في سوريا لهم تاريخ طويل في هذا المجال، وقدموا تضحيات كبيرة في سبيل قضايا الحرية والديمقراطية. واختار الكثير منهم الانضمام إلى إعلان دمشق، الذي تم التأكيد فيه منذ فترة قصيرة فقط على أن نظام آل الأسد "متعذر إصلاحه".ـ

لذا، بالتأكيد لستُ الوحيد الذي يلتمس هذا الخط، فأنا بصحبة جيدة في هذه المرحلة. وكل معارض معروف ومحترم في البلد يقول نفس الشيء تماماً. في الحقيقة، قد لا نمثّل قوة تلجأ إلى الشارع في هذه المرحلة وتشكل معارضة جدية للنظام، لكننا قاربنا الاتفاق على أن الإصلاحات تضليل والتغيير واجب.ـ

إذا اختارت المجموعة الدولية تجاهلنا والوقوف إلى جانب آل الأسد، تحت ستار الارتباطات والسياسة الواقعية، فستكون النهاية بالنسبة لنا، باية طريقة يمكن أن تتخيّلها: النفي، الموت، السجن، المنع من السفر، مضايقات أمنية وما إلى ذلك. وإن نحن غِبنا، لا أعتقد أنه سيكون مسموحاً لأي أحد أن يملأ فراغنا. والعالم ليس بوارد اتّباع خطتك اللطيفة والمعقولة، فكل من كتب حول هذا حتى الآن كان منشغلاً بالتفكير في "السياسات العليا"، لا التفكير بقضايا "تافهة" مثل حقوق الإنسان والديمقراطية والإصلاحات السياسية. حقوق الإنسان ستأتي متأخرة، كما فعلوا في اتفاقية الشراكة الأورو متوسطية. هل يمكن أن تسمّي حالة واحدة عندما فُرضت المادة الثانية بشكل جدي؟

لذا، كما ترى يا أليكس، على خلاف أصدقائك الذين يودّون لو كان بإمكانهم التصويت في انتخابات الرئاسة الأميركية، أنا أقوم بما هو أفضل ربما وأتصرّف وكأني عضو في "لوبي" أفعل ما بوسعي لأؤثر على عملية عملية صنع القرار هنا أو هناك، فهذا أفضل من لا شيء. وما جهودي تصبّ في محاولة مسامرّة لمنع حدوث حوار مع النظام السوري نكون نحن غائبين عنه.ـ

1:00 AM

تعليق أليكس...

عمار

لا أعرف لماذا ظاهرياً أعطيك انطباعاً بأنني قصدتُ أنك لست مؤثراً أو ناجحاً مطلقاً... كونك غير قادر على إسقاط النظام السوري بمفردك لا يعني أن جهودك بلا طائل.ـ

كل ما قلته هو أن معظم الشخصيات السورية المعارضة (وليس الكل) غير محترمين مثلك (أو: أنت الوحيد الذي توجّهه القيم الأخلاقية السليمة في معارضتك، مقابل الآخرين الذين تقودهم رغبتهم بالسلطة على سبيل المثال)، ولذا لستُ متحمساً جداً لتحمل فوضى تأتي بخدام أو بعض الشخصيات الأخوانية التي تدّعي الاعتدال الآن إلى السلطة.ـ

أما بالنسبة لمادة جوشوا "التعليم الإسلامي في سوريا" فقد قرأته وعملت له رابطاً في صفحته الشخصية على موقعي. أنت محق في تذكيري بالمدارس الدينية التي أجازها حافظ الأسد أو شجّعها بعد أحداث حماة. لكن هذا هو بالضبط غرضي... كما قلت في وقت سابق: إن كفّ الأميركان وحلفاؤهم العرب عن محاصرة النظام السوري العلماني، فلن يعودوا بحاجة لإبداء الكثير من اللطف للأصوليين. أما كما تجري الأمور الآن، فيجب على السوريين أن يكونوا ضامنين عدم إضافة عدو آخر إلى قائمة أعدائهم ومنافسيهم الحاليين (الولايات المتحدة، السعودية، إسرائيل...)، ولذا يجعلون من المحافظين والأصوليين حلفاء لهم.ـ

لكن عمار، أنت تعرف أن بشار على غير ودّ مع تلك التعاليم المحافظة، وسيكون أول من يحاصرهم حين يشعر أن لديه دعم موثوق طويل المدى من الخارج.ـ

اقتراحاتك حول جمعية ثنائية المجلس التشريعي ستلاقي مقاومة من الشيعة والسنة على حد سواء في البداية، لكنها التسوية الوحيدة الممكنة، وأنا على ثقة من أن هناك طريقة لتسويقها فعلياً لمعظم السوريين.ـ

وأخيراً، أشاركك قلقك في أن الغرب إذا قرر التخلي عن سياسته السابقة في الشرق الأوسط، فسيتغاضون بالكامل عن مسائل الديمقراطية وحقوق الإنسان.ـ

رأيي حول هذا: الوقت ليس متأخراً بالنسبة لك للحشد من أجل تغيير جزئي في السياسة الأميركية... ليس بالالتصاق بالسياسة الفاشلة الحالية حول عزل النظام السوري ومعاقبته، ومن جهة أخرى عدم التخلي عن الديمقراطية وحقوق الإنسان بشكل كلي من أجل أي حلّ يحفظ ماء الوجه.ـ

لماذا لا تحشد أكثر من أجل مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط؟ ... هذا لن يجعل السوريين نجوم العرض، سيكون هناك أيضاً حسني والملكين عبد الله.. ألخ، ويمكنك أيضاً أن تحشد من أجل تضمين حقوق الإنسان، إصلاحات اقتصادية وإصلاحات ديمقراطية في جدول الأعمال. هذه الإدارة ما زالت تثمّن هذه المكونات، على الأقل كسبيل لحفظ ماء الوجه أمام فشلها في فرضها على العالم العربي. الإدارة القادمة لن تولِ الكثير من الاهتمام للإصلاحات الديمقراطية، أتفق معك. لكن لم يفت الأوان طالما هذه الإدارة ما زالت موجودة. إقرأ على سبيل المثال هذه المقالة في Chronicles لصديقنا جورج عجان هذا الأسبوع.ـ

2:16 AM

تعليق المجرم البريء

قال عمار

"1) عليك أن تسأل صديقنا يوشع لانديس عن دراسته حول تآكل العلمانية في المدارس السورية في ظل حكم آل الأسد. لنضع نصب أعيننا أن حافظ الأسد شجّع وموّل أكثر من 400 مركزاً لتعليم القرآن في كافة أنحاء الريف السوري تؤدّي الآن، إلى هذا الحد أو ذاك، وظيفة المدارس التقليدية المسؤولة عن إنتاج الآلاف من الحمقى الذين يعظون بخليط عجيب من العقيدة السلفية والصوفية الجاهلة، بالضبط ما تحتاجه سوريا العلمانية في هذه المرحلة. بالإضافة إلى هذا، تسامح آل الأسد وشجعوا تفتح كل التنويعات في الدوائر الإسلامية أواخر الثمانينات والتسعينات، وصولاً إلى هذه اللحظة، في محاولة حمقاء لحصر السنة".ـ

حسناً، يمكن أن يكون كل هذا صحيح تماماً، لكن ماذا كان يمكن أن يكون البديل؟ حرمان الإسلاميين (أمر مضحك) من مدارسهم الدينية؟ أنا على يقين بأن المنتقدين كانوا سيعتبرون ذلك انتهاك لحقوق الإنسان والحريات الدينية. لذا أفضّلُ أن تسمح الدولة بمثل هذه المدارس لإدارتها والتحكم بما يُُدرّس فيها بدلاً من منعها بالكامل وبالتالي الدفع باتجاه قيام مدارس سرية غير مراقبة. وأعتقد أن ما يستحق الذكر أيضاً هو أن سوريا لم تنتج إلا القليل من المتعصبين الدينيين العالميين مقارنة بمعظم، إن لم يكن كل، بلدان الشرق الأوسط.ـ

"2) ليس لدي شك بأن آل الأسد مهتمّون بسوريا قوية. لكنهم أيضاً مهتمون أكثر بإحكام قبضتهم على زمام السلطة بلا حدود، وليست لديهم أدنى فكرة أو رغبة للابتعاد عن الترتيبات الطائفية الموجودة، لأنهم يراكمون أموالهم عن طريق التلاعب بها. إن تأسيس سوريا قوية وإبقائها تحت السيطرة في الوقت نفسه هي مجرد أضغاث أحلام. خمّن الجانب الذي يرغبون في ارتكاب الخطأ حوله؟".ـ

لا يمكنني أن أتفق معك مرة أخرى. لكنني أعارض فكرة أنهم أسوأ من نظرائهم في الشرق الأوسط. الكثير من نقاد الأسد، وأنت من بينهم، تصفونهم بذلك. وتلك برأيي المتواضع ليست القضية. أنا لا أحاول مناصرة عقلية "الكل يفعل ذلك، فلماذا لا يمكننا أن نفعل نحن؟". لكن كل من هم في السلطة يهتمون بإحكام قبضتهم عليها بلا حدود، وليس الديكتاتوريون فقط. لكن مل يفتقر إليه الجمهور العربي هو مؤسسات قضائية ومدنية لفرض نوع من المنافسة على قيادتهم. ببساطة، نحن نفضّل أن نكون "خرافاً". ولا يستطيع أي مجتمع عربي أن يعلن أنه محصّن ضد هذا النموذج المثير للشفقة والناجح إلى درجة عالية.ـ

5:35 PM

تعليق مجهول...ـ

"أعتقد أن ما يستحق الذكر أيضاً هو أن سوريا لم تنتج إلا القليل من المتعصبين الدينيين العالميين مقارنة بمعظم، إن لم يكن كل، بلدان الشرق الأوسط".ـ

فعلياً، كل المنظّرين الرئيسيين للسلفيين والجهاديين سوريون. هل سمعتم بأبو مصعب السوري؟

7:15 PM

تعليق مجهول...ـ

من المعروف أن معظم الشيوخ الذين لاقوا التعذيب وقُتلوا من قبل آل الأسد كانوا من الصوفيين وليسوا من السلفيين.ـ

7:27 PM

تعليق مجهول...ـ

قبل سوريا الأسد لم تكن تُعرف الطائفية والقبور الجماعية مطلقاً. وهذا يفسر التغطية الدولية لهذا النظام طوال 40 سنة...
من يكره الشعب السوري مثل الأسد...ـ

7:32 PM

تعليق مجهول...ـ

عمار، أليكس، ألا تريان أن وجهتي نظركما، بالإضافة إلى وجهات نظر الآخرين، جوهرية بالنسبة للبلد. مجموع الأفكار والمواقف ضرورية للتغيير الذي نتمناه جميعاً. تبخيس عمار المتواصل لرموز آل الأسد والنظام مهم جداً وذو قيمة لتعرية صورة الديكتاتور الذي يظن أنه لا يُمس، وتبيان ذلك لشباب البلد الذين نشأوا في عهد الديكتاتور الأب الذي يصفقون له الآن، والكشف لهم عن الوجه الحقيقي لهؤلاء الناس. الزعماء والنخب الذين سرقوا وراكموا 10% من ثروة البلد في أيدي قلة (بحلول العام 1998، امتلك والده وبقية العائلة الميزانية الوطنية للبلد)، ومنعوا، وما زالوا، عجلة البلد الاقتصادية من الدوران، مما أنتج وضعاً في البلد جعله متأخراً 100 سنة عن العالم.... هؤلاء الزعماء والنخب لا تستحق أي تعاطف ويجب فضحها أمام الناس. والعم، رفعت، الملطخة يداه بالدماء، والذي سرق أموالاً ضخمة وأدار عمليات لصوصية وكل أنواع النشاطات غير الشرعية تحت نظر وسمع الديكتاتور، يعيش الآن حياة بذخ وما زال يؤثّر في حياتنا عن طريق أجهزة إعلامه. التركيز على أشخاص النظام مساعد في هذه المرحلة. فهؤلاء الناس، النظام وأزلامه، ما يزالون يعتقدون أنهم يمتلكون البلد، ويجب أن تتغير هذه العقلية. الحرية ثمينة لم يذق الشعب السوري طعمها بعد. شخص مثل عمار يقوم بعمل عظيم في إهانة هؤلاء الناس ووضعهم في موضعهم الحقيقي في مجرى التاريخ قبل انتظار 100 سنة للتجرؤ على قول هذا.ـ


أليكس، أنت تقوم بعمل عظيم أيضاً في كشف ضعف المعارضة وشرذمتها والتفاح الفاسد في صفوفها. وأنا فعلاً أحترم مواقفك بالقدر الذي تعجبني أفكار عمار.ـ


Saturday, October 21, 2006

الديمقراطية مقابل الإشراك

عن مدونة أمارجي

أصبحت الديمقراطية بعد أحداث الحادي عشر من أيلول شعاراً دأب على ترديده العديد من المسؤولين والمعلّقين الأمريكيين، بدءاً بالرئيس ذاته، واستخدم كنوع من السلاح السحري الذي يمكن أن يساعد على تحقيق تقدم ملموس في الحرب العالمية على الإرهاب. ولقد اختزلت الديمقراطية أثناء هذه العملية إلى جانب واحد، وتحديداً الانتخابات، التي أعطت، في أغلب الأحيان، نتائج غير مرغوبة، بتمكينها للممثلين غير الديمقراطيين أصلاً، وبالتالي أدت إلى تعقيد سعي الإدارة إلى انفتاح سياسي وإصلاحات أكبر في المنطقة.ـ

لقد جرى ترسيخ هذا الأمر إلى حد كبير، وبات انتقاد إدارة بوش بسبب هذه النقاط مفهوماً، وشرعياً وضرورياً، وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أنه مازال لدينا سنتان تنطويان على الكثير: إيجاباً، إذا تم تبني أساليب جديدة أكثر دقة، أو سلباً، إذا تواصل اللجوء إلى التكتيكات الحالية دون أي مراجعة أو تعديل أو تصحيح. ـ

ولكن الانتقادات في هذا الصدد، مهما تكن مبررة، ستبقى فارغة وعقيمة، إذا لم توضع على الطاولة أساليب سياسية بديلة واضحة وواقعية. إن مجرد إدخال مصطلح جديد إلى المشهد السياسي، وأقصد هنا مفهوم "الإشراك Engagement"، قد يخدم مآرب سياسية قصيرة المدى، لا بل قد يكون مفيداً في العملية الانتخابية الأمريكية، وربما الإسرائيلية، لكنه غير كاف بطبيعته لمعالجة المشاكل الجدية والحرجة التي تنطوي عليها الحرب العالمية على الإرهاب.ـ

كيف؟

في الواقع، عندما يتحوّل الإشراك إلى مجرّد محاولة للاحتواء الآني دون إعلان رؤية لمعالجة القضايا الرئيسية الحقيقية في الحرب العالمية على الإرهاب، تصبح إمكانية تمكين اللاعبين غير المناسبين وإساءة استخدام عملية الإشراك برمتها محتملة أكثر، إن لم تكن حتمية. ـ

وبغية فهم كيف يمكن أن يحصل ذلك، لنتأمل فقط ما يبدوا أنه الموقف الرئيسي للحشد المؤيد للإشراك، أي: الرفض المعاند للاحتمال الذي يقول بأن بعض الأطراف قد لا تكون قابلة للإشراك وفق رغباتنا وحاجاتنا. وهذا يفتح الباب أمام إساءة استخدام عملية الإشراك بإطالة المحادثات دون أفق منظور. وبالمقابل، سيتم تمكين الأنظمة المشاركة لكي تتصرف كما يحلوا لها ما دامت قادرة على الإفلات من العقاب وما دامت قادرة على الإبقاء على بعض المظاهر الكاذبة التي تخدع الحشد المؤيد للإشراك لأنهم متلهفون لأن يخدعوا كما يبدوا.ـ

فحتى قبل أن تجري المحادثات، وافق المدافعون عن الإشراك، في تصريحاتهم المختلفة، ومقالاتهم، وآرائهم ومدوناتهم، على الكثير من المتطلبات الرئيسية للأنظمة التي يريدون إشراكها دون الحصول على شيء بالمقابل، حتى الوعود.ـ

لنأخذ نظام آل الأسد في سوريا مثالاً حول ما يقترحه الحشد المؤيد للإشراك لتسيير الأمور. في الحقيقة، تشمل التنازلات في هذا الصدد: الاستعداد لنسيان تحقيق الأمم المتحدة في اغتيال الحريري، والرغبة في رؤية الدولة اللبنانية بأكملها وقد عادت إلى سيطرة آل الأسد أملاً في الحصول على مساعدة آل الأسد فيما يتعلّق بنزع سلاح حزب الله، والسيطرة على المجموعات الفلسطينية المتطرّفة وإيقاف تدفّق العناصر الجهادية والأموال إلى العراق.ـ

ولكن التنازل الأكثر أهمية على الإطلاق هو التخلّي الكامل عن أي ضغط لدعم الإصلاح والدمقرطة في سوريا. حيث ستتم شرعنة موقع آل الأسد كحكام لسوريا، وكل حديث جدّي عن الإصلاح سيودع في "مزبلة التاريخ،" كما يقول يساريونا، فيما تتم إبادة المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان والديمقراطية، وذلك رغم الموقف النقدي الذي تبنّاه معظمهم تجاه سياسات بوش في المنطقة وتجاه سورية بالذات، مما سيؤدّي إلى تأجيل قضية التحديث والدمقرطة والعلمنة إلى عقود.ـ

وسيكون تأثير مثل هذا التحوّل على ما تبقى من دعم لا تزال تحظى به الولايات المتحدة من بعض المجموعات الإصلاحية هنا في المنطقة مدمراً بالطريقة نفسها، عندما تحذوا أنظمة أخرى حذو آل الأسد. ولن يبقى لأمريكا أصدقاء حقيقيين في المنطقة، ولن يبقى إلا المحتالين والمبتزين لتتعامل معهم. لأن هذه هي حقاً حقيقة آل الأسد، في التحليل النهائي، وهذا ما كانت عليه سياساتهم خلال العقود الماضية. حتى الحشد المؤيد للإشراك يقرّ بذلك، عندا يقارنون عائلة الأسد الحاكمة بعائلات المافيا التي نراها في الأفلام الأمريكية. ورغم أن مؤيدي الإشراك يأملون فقط بأن يشجع الإشراك آل الأسد على تغيير عاداتهم، فهم يفشلون بإخبارنا كيف يستطيع آل الأسد أن ينجزوا فعلياً هذه المعجزة.ـ

وفي هذه الأثناء، يحاول أولئك الذين يؤيدون سياسة إشراك سوريا ولكن ليس بالضرورة إيران تبرير هذه السياسة بادعائهم أنها ضرورية لفطم آل الأسد عن تبعيتهم المستعادة حديثاً لإيران والمضي قدماً نحو عزل إيران وإضعاف تأثيرها على حزب الله في لبنان. هكذا، وبكل بساطة، يتم تجاهل إمكانية أن يكون آل الأسد في هذه المرحلة أضعف من ينقلبوا على إيران ويتخلّوا عنها. حيث أن توجهاً كهذا قد يكون في الواقع انتحارياً بالنسبة لآل الأسد كونه قد يقودهم إلى مواجهة داخلية و/أو إلى نزاع مع حزب الله (هذا فضلاً عن المجموعات الفلسطينية الراديكالية، ومنها الجناح المتطرف في حماس بقيادة خالد مشعل، التي تحصل على معظم دعمها المالي الآن من إيران) ليسوا مهيئين له أكثر مما كان الإسرائيليون. ـ

ويبدوا أن القليل من المعلومات الاستخبارية والكثير من الإيمان قد أدخل في الحسابات هنا. إذاً إلى مدى يختلف الحشد المؤيد للإشراك عن خصومهم المحافظين الجدد؟

وبينما استندت عقيدة الديمقراطية فيما يبدو على فرضية أن الديكتاتورية والفساد في منطقة الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا يلعبان دوراً في تشجيع الإرهاب العالمي، فإن عقيدة الإشراك تستند إلى افتراض أن الأنظمة الدكتاتورية أكثر قدرة بكثير على تحطيم الإرهابيين من الأنظمة الديمقراطية. إضافة إلى ذلك لم تؤخذ بعين الاعتبار حقيقة أن الأنظمة الدكتاتورية، بسبب فسادها المتأصّل والمستشري وسوء إداراتها للاقتصاد تدفع شعوبها فعلياً إلى أحضان التطرف الإسلامي أكثر فأكثر، وأن هذا الوضع يترك الأنظمة منشغلة في خيار واقعي واحد للتعامل مع هذه المشكلة على المدى القصير، وبالتحديد: تصديره إلى الدول المجاورة والعالم من خلال السماح للعناصر المتطرفة بنقل العنف إلى مكان آخر.ـ

ولكن طالما يواصل صنّاع السياسة بناء حساباتهم على الإيمان، والرغبات والتوقعات غير المبرّرة بدلاً من المعرفة الدقيقة للمضاعفات الجديدة في المنطقة والمعلومات الموثوقة، وطالما أن صنّاع السياسة في الولايات المتحدة بشكل خاص يواصلون رسم لعبة متحيزة عدمية، رغم الطبيعة الخطيرة للتهديدات القائمة المتصلة بمصالح الولايات المتحدة على المدى القصير وعلى المدى البعيد (هذا فضلاً عن مصالح شعوب المنطقة)، وما دام صنّاع السياسة الأمريكيون يفشلون في تنسيق خططهم وسياساتهم مع حلفائهم الأوربيين والإقليميين، على الأقل من خلال الناتو، إن لم يكن من خلال الأمم المتحدة (ويبدو أن الناتو أفضل هنا)، وما دام لا يوجد قبول، من قبل جميع المعنيين، بحقيقة أن تحدي الإرهاب يتطلب التزاماً وتخطيطاً أبعد مدى، فإن المنطقة ستنتقل ببساطة من كارثة إلى أخرى وسيظهر أثر ذلك في كافة أرجاء العالم من خلال النشاطات المتزايدة للأعمال الإرهابية والفوضوية.ـ


تعليقات

قال الكس ...ـ

ها أنت تفعلها ثانية!ـ

لماذا أنت واثق جداً يا عمار بأنك تعرف الحقيقة المطلقة بشأن المستقبل؟ أنت واثق من أن جميع الذين يؤيدون الحديث مع سوريا (الإسرائيليون والأوربيون والأمريكيون) أغبياء، ومن بينهم وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي الحالي ، الذي كان رئيساً لجهاز الاستخبارات (بعد 27 من الخدمة) وهو من "الصقور"... أنا لا أعتقد أنه ساذجك النمطي أو السياسي الغربي القليل الاطلاع الذي يساورك القلق بشأنه. لقد وصفته صحيفة التايم بـ "الرجل الصلب الداعم لشارون"ـ

عندما أسمع أحد الصقور الإسرائيليين يصرح علناً أنه يدرك أن إسرائيل بحاجة إلى إعادة هضبة الجولان إلى سوريا بعد اتفاقية سلام، ومن ثم أقرأ لصديقي السوري عمار عبد الحميد يفعل كل ما بوسعه لمحاربة العملية، لا أدري بماذا أفكر أو أقول.ـ

تواجهنا اليوم إمكانية جدية لئلا تصبح الحرب ضرورية بعد الآن. نحن لا نتحدث عن حرب محدودة تستمر أسبوعين، وإنما عن حرب إقليمية، حرب خارجة عن السيطرة كلياً. وعمار سعيد بمناقشة النتائج البعيدة المدى لإمكانيات صنع الديمقراطية في سوريا في يوم من الأيام.ـ

قال كيفن...ـ

إذا كانت إحدى العوامل الرئيسة المساهمة في إمكانية نشوء "حرب يتعذر السيطرة عليها كلياًً" هي الافتقار العام للديمقراطية والحرية في المنطقة (وأنا لا أشير إلى العوامل المشتبه بها المعتادة)، ففي هذه الحالة تحتاج إلى المناقشة. وفي كتابه حرب ليس كغيرها، يشير فيكتور ديفيز هانسون إلى أنه ما لم تعالج أسباب الحرب (بطريقة أو أخرى)، فمن غير الممكن تفادي الحرب نفسها. فقد كان الدافع الرئيسي لحرب البليبونيز بناء جدران أثينا. والى أن دمرت، بقيت حالة الحرب أو الحرب بالوكالة قائمة بين أثينا واسبرطة.ـ

ولن تحقق اتفاقية سلام بين سوريا وإسرائيل الاستقرار في المنطقة. لقد تعلم النظام الإيراني استخدام الأزمة الدولية لخنق المعارضة الداخلية. وقد فعل حزب الله الشيء نفسه في محاولة لتعزيز سلطته في لبنان. مالذي سيمنع أنظمة أخرى من القيام بذلك بغية صرف النظر كلياً عن الحنين إلى التغيير؟ يا للجحيم، هوغو شافيز يفعل ذلك على الجانب الآخر من الأطلسي.ـ

و"الإشراك" بقصد الإشراك لن يغير شيئاً أيضاً. فقد "أشركت" أوربا مع إيران منذ ما يقارب الثلاثين سنة. ولا يعتبر الاكتفاء بتقديم الحوافز لنظام أعرب بوضوح أنه ليس لديه النية في تغيير سياسته غباء فقط، بل وخطيراً أيضاً. فهو يشجع كل الأنظمة المجرمة لتحذو حذوه.ـ

وأنا لا أدعي أنني أعرف الكثير عن سياسة سوريا وتاريخها، ولكن احتلال إسرائيل لهضبة الجولان يخدم مصالح آل الأسد. فالقانون العرفي لا مبرر له من دون محتل أو تهديد أجنبي. وان هدف بعض الأنظمة مثل نظام آل الأسد والفقهاء في إيران (وبقية الشرق الأوسط) هو البقاء في السلطة، مهما كان الثمن. وقد أظهر التاريخ أن سلطة آل الأسد غير منوطة باستعادة مرتفعات الجولان.ـ

ولن يوضع حد لإمكانية حرب شاملة إلى أن تعالج العوامل الرئيسية المساهمة: أ- إسرائيل/فلسطين؛ ب- الحرية والديمقراطية في المنطقة؛ وت- الاعتماد العالمي على النفط. وأعتقد أنه ينبغي معالجة هذه القضايا الثلاث جميعها معالجة كلية لتهدئة المنطقة بوصفها "منطقة ملتهبة". ولكن لسوء الحظ، يقسم الغرب بطريقة محفوفة بالمخاطر القضايا المتعلقة بالحرب العالمية على الإرهاب والمشاكل في المنطقة. بأية جدية سيتعامل المرء مع "تحالف" ليس بمقدور أعضائه حتى إرسال جيش إلى معركة اتفقوا عليها جميعاً؟ فبعض أعضاء الناتو لن يسمح لقواته في أفغانستان التمركز في مناطق القتال، ناهيك عن استخدامها في معارك حقيقية.ـ


قال أليكس...ـ

أنا أتفق معك يا كيفن أنت وعمار على الكثير من النقاط التي طرحتموها.ـ

ولكن،ـ

1) إن فرص أن نشهد حرباً "يتعذر السيطرة عليها" كبيرة جداً. تأمل لو أن العالم مستعد لها ... سترفض إيران أن تهزم. ولدى إيران الكثير من "الأهداف" المحتملة في حال أحرزت الولايات المتحدة وإسرائيل بعض الضربات الأولية الجدية. دبي؟ العربية السعودية؟ إغلاق الخليج الفارسي؟ تحويل العراق إلى جحيم حي للجنود الأمريكيين...عشرات الآلاف من الجنود الانتحاريين... هل من أحد يخبرني إن كنت أبالغ في ذلك؟

سوريا سترفض أن تهزم.. وعلى الأرجح تملك أسلحة كيميائية.ـ

ويمكن أن يطاح بالرئيس الباكستاني في عدة أيام.ـ

المسلمون الباكستانيون غاضبون من "العدوان الأمريكي + الإسرائيلي". وباكستان لديها أسلحة نووية. والبارحة، كتب جهاد الخازن، أحد أبرز الصحفيين العرب وصديق لجميع الرؤساء والملوك العرب (وخاصة السعودية)، أنه قلق جداً من باكستان التي تمثل الخطر الأكبر المحتمل.ـ

ومن ثم هنالك الشعب المصري والسعودي الذي يمكن أن يخرج ببساطة إلى الشوارع دعماً لزملائه المسلمين...ـ

ببساطة شديدة، نحن لا نتكلم عن حرب لبنانية أخرى ينجم عنها 1500 إصابة.ـ

ماذا أقترح بالمقابل؟ تهدئة تدريجية للوضع في الشرق الأوسط حتى تصبح البيئة أكثر قبولاً لتجارب إضافية في الديمقراطية.ـ

قد يكون النظام السوري فاسداً جداً وتقوده رغبة مواصلة الحكم (شأنه شأن كل الأنظمة الأخرى في الشرق الأوسط) ولكنني أخالف عمار بشدة حول سياسته الإقليمية... أعتقد أنهم مدركون جيداً للحساسيات في المنطقة. وأعتقد أنهم يرغبون حقاً بتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل. ويريدون علاقة أفضل مع الولايات المتحدة وأوربا. ولكنهم لن يقبلوا باتفاق سيئ لسوريا. فالشعب السوري لن يسمح لهم بذلك.ـ

والمشكلة تكمن في أن الولايات المتحدة ترغب بحصول حرب عالمية ثالثة بدلاً من إعطاء انطباع بأن نظاماً عارض الولايات المتحدة يمكن أن "يفوز" في النهاية.ـ

إذا كنت تريد أن تعرف كيف ولماذا الاتفاق مع سوريا سيكون المخرج الأفضل والأسهل (ما عدا حل مقنع للمشكلة الفلسطينية في هذه الأيام)، يمكنك قراءة هاتين المقالتين، ومن ثم تعلمني أي جزء منهما غير معقول بالنسبة إليك.ـ

لماذا الحوار مع سوريا؟

المحادثات السورية الإسرائيلية ضمن الإطار الدولي

زنوبيا الشرق والغرب قالت...ـ

عذراً لتصويبك، ولكن هوغو شافيز...ليس دكتاتوراً أو جزء من نظام قمعي يخنق الإصلاح أو التغيير. انه قائد منتخب ديمقراطياً ويحظى بدعم شعبي عريض.ـ

علاوة على ذلك، لا يمكنك أن تصنف النظام الإيراني في نفس الفئة مع حزب الله. إنهما غير متماثلين. ومرة أخرى، حزب الله مقاومة شعبية ... رغم أنهم يؤكدون سلطتهم الآن لفرض النتائج داخل البلد وآليات السلطة الداخلية المؤثرة، ومع ذلك ليسوا حكومة قمعية ... تخنق الإصلاح. وفي الواقع إنهم يؤيدون الإصلاح، الإصلاحات التي يدعمونها فقط.ـ

والشيء نفسه ينطبق على شافيز. انه إصلاحي - بكل ما في الكلمة من معنى. وكل ما هنالك أنه معاد للولايات المتحدة.ـ

زنوبيا الشرق والغرب قالت...ـ

أوه أجل، ويمكنني أن أضيف إلى كيفن...ـ

أجل، استفاد حزب الله من الأزمة الدولية ليمنع الاعتراض على تأكيده الداخلي على السلطة السياسية... ولكن مرة أخرى، أرى ألا نكون منافقين جداً.ـ

فالرئاسة والإدارة الأمريكية الحالية تفوز بجائزة استغلال الأزمة الدولية والوطنية لبناء سلطتها الخاصة وتعزيز أيديولوجية القيادة وأجندة المحافظين الجدد. ليس هنالك مثال صارخ أكثر من ذلك.ـ


زنوبيا الشرق والغرب قالت...ـ

ملاحظة أو ملاحظتان على رسائل عمار...ـ

لدي مشاكل مع كلمة "الإشراك" أيضاً.... جزئياً لأن الجيش الأمريكي يستخدم هذه الكلمة!.. للإشارة إلى مقاتلة الأعداء وقتلهم.ـ

رغم ذلك، أرغب في أن أقول أنه بالنسبة لي يستند - الإيمان بالإشراك - إلى فكرة أن الإشراك سيبقى دوماً مطلقاً... ويساعد على تسليط الضوء على الوضع والحقيقة السياسية بالإضافة إلى كشف الإمكانيات، وتحسين البيئة.ـ

وحتى لو أن النظام السوري أو نظاماً آخر... ابتلي "بفساد مستشر وكبير... وسوء إدارة للاقتصاد" لدرجة لا تصدق بحيث يبدو الإشراك عقيماً... سأجادل على أنه يساعد على كشف وتحدي الوضع الراهن.ـ

إن أية منظمة مافيا أو شركة تؤدي وظيفتها وتستمر من خلال البقاء منظومة مغلقة مع القليل من التدخل أو إشراك الخارج. وهناك سرية وولاء تامان كجزء من قواعد السلوك. لذا فان أي التزام مع أية كيانات خارجية ... يهدد هذه المنظومة المغلقة وقدرتها على المحافظة على السيطرة على نفسها وعلى كل ما هو تحت سلطتها. وأنا أعتقد أن الإشراك ليس تلك القوة القوية حتى تتمكن من خرق وتفكيك هذه المنظومة- ولكنني لا أوافق على أن صرف الانتباه أو التنازل فقط كفيل بأن يحافظ في النهاية على الوضع الراهن أو يحبط المزيد من الجهود الرئيسية للتغيير والإصلاح.ـ

أعتقد أن الإشراك يعمل على أساس الإيمان (قد يكون هذا وهماً) ولكن رغم ذلك، إذا تظاهر نظام بأنه يؤيد التوسع الاقتصادي والنمو أو الانفتاح... بالإضافة إلى التعاون الدولي – عندها إشراكهم على هذا المستوى ... ينطوي على إمكانية السماح بدخول الأفكار والتأثيرات الهدامة.ـ

لا يمكننا أن نوازن بشكل كامل بين الأنظمة السياسية والمافيات لأن الأنظمة لديها الذريعة على الأقل بأنها منفتحة على إشراك المجتمع الدولي. وبالإضافة إلى ذلك ثمة حقيقة بأن العالم الآن يعتمد على بعضه اقتصادياً وبيئياً شعوباً ومجتمعات دون أدنى شك. لذا بالتأكيد لا يمكنهم أن يبقوا مغلقين إذا أرادوا الاستمرار طويلاً.ـ

حتى إيران عليها إشراك شخص ما – وقد يكون هذا الشخص الصين أو الهند أو روسيا...ـ

وستكون أمريكا هي الخاسرة إذا هي لم تنضم إليهم.ـ

وأمريكا لا تملك البحبوحة... التي تعتقد أنها تملكها.... في اختيار ألا تشرك هذه القوى. نحن نعتمد عليهم أيضاً!.... انه أيضاً لكبرياء محض وتفكير رغبي (كما عبرت أنت) أن نتصرف كما لو أننا نستطيع أن نختار وننتقي من نشرك وأن نسيطر عسكرياً على من لا تحبه أمريكا.ـ

انه تفكير مجنون وانتحاري في النهاية.ـ


قال كيفن...ـ

زنوبيا:ـ

بالكاد يمكنني أن أدعو شافيز "بالإصلاحي". دعونا لا ننس محاولته "للإصلاح" عام 1992- محاولته الانقلابية الفاشلة. أجل سياسته الخارجية معادية للأمريكيين، ولكن تأييده لإيران وكوبا التي لهما قوى مؤيدة للديمقراطية داخل وخارج فنزويلا هو ما يقلق. سوف نرى كم يبقى رئيساً – رهاني أنه سيبقى رئيساً لوقت طويل جداً.ـ

قد يكون حزب الله حركة مقاومة الآن. لكن إذا أصبح حزباً ( أنا أستخدم ذلك المصطلح بمعناه الواسع, طالما أنني لا أميل إلى تسمية مجموعة تسلح نفسها حزباً سياسياً بكل معنى الكلمة) والذي سينتهي به المطاف إلى السيطرة على الحكومة اللبنانية، أي نوع من الإصلاحات تراهم يطبقون؟ بوصفي ديموقراطياً، فأنا أتخوف من أية إصلاحات تعلنها فوهة البندقية.ـ

ومقارانتك بين بوش وحزب الله بعيدة جداً. إن من أعار اهتماماً للمناظرات الانتخابية عام ، 2000، حيث أعلن بوش بكل وضوح أنه سيفعل شيئاً ما إزاء العراق. ومهما يكن رأيك بغزو العراق، فهو لم يفاجئ أحداً ولم يتم الغزو لزيادة شعبية بوش أو لتهدئة المعارضة في الداخل.ـ


قال كفين...ـ

أليكس:ـ

مقالات رائعة، ولكن أول ما يتبادر في ذهني هو ما إذا كانت "الجزرة" لإيران هي حقاً ما تتحدث عنها؟ أعتقد أن إيران ترغب في لعب دور أكبر من مجرد "الند بين القوى" في المنطقة. علاوة على ذلك، أعتقد أن إيران تعد نفسها بحيث أنه عندما يحصل في النهاية تغيير للأنظمة في سوريا، ومصر، ولبنان، الخ تكون الحكومات الثيوقراطية هي البديل. ما الذي يريده النظام الإيراني؟ وأيضاً، إذا أخذنا بعين الاعتبار سجله الماضي السيئ في الإبقاء على أي نوع من الاتفاقيات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، من سيضمن وفاءها لتعهداتها؟ هل يرغب السوريون بالقيام بذلك؟

ثمة أسئلة أخرى أرغب بالإجابة عليها: لمن بالضبط يدين حزب الله؟ هل هو مجموعة مقاومة لبنانية ليس إلا؟ ما هو مدى استقلاله عن طهران ودمشق؟

إلى حد ما، ما هي السلطة/السيطرة/السطوة التي تملكها دمشق على الفلسطينيين؟ هل بمقدور دمشق ليس فقط دفع حماس للتراجع عن موقفها الداعي إلى(تدمير إسرائيل)، بل وأن تقبل فعلياً بحق إسرائيل في الحياة؟

أنا أوافق على أن الحرب ستنطوي على عواقب وخيمة، ولكن أولئك الذين يبكون على "الإشراك" في الشرق يبدو أنهم يؤمنون بأن الإشراك للإشراك أمر جيد. والمثال الجيد على ذلك هو عرض الغرب على إيران لوقف برنامجها النووي. لقد أوضحت إيران مراراً وتكراراً أنها لن تفاوض على ذلك، ولكن الغرب واصل محاولته تهذيب الصفقة. ما الهدف من ذلك؟ إذا كان الإشراك يعني أن يواصل كل طرف ما يريد فعله، ما الهدف من ذلك فعلاً؟


زنوبيا الشرق والغرب قالت...ـ

كيفين،ـ

ألا تستخدم أزمة الحرب "على الإرهاب" لقمع أية شكوى تتعلق بالسياسة الداخلية؟

وبينما تستمر "الحرب" ... ... لم تسمع كلمة تقريباً تتعلق بإدارة بوش التي تواصل سياسة ضريبية لا تصدق وهذا ليس إلا أحد الأمثلة، وقد يكون التنصت على المكالمات الهاتفية داخل أمريكا مثالاً آخر.ـ

أنا لا أقول بأن الإدارة تبقي سياساتها سرية، كنيتها في غزو العراق. والمقارنة التي أجريها هي أن الخوف من الشعب الأمريكي ... الناجم عن أزمة استغلتها الإدارة الأمريكية بشكل واسع لتنفيذ أهدافها الأيديولوجية وسياستها الخارجية التي كان من غير الممكن تنفيذها لولا هذا الاستغلال. ويساس الجمهور الأمريكي عاطفياً وثقافياً كما يساس عامة الناس في الشرق الأوسط.ـ

وبرأيي إنها لعبة السلطة نفسها... ولكنها تتم دون الحاجة لممارسة تهديدات قمعية علنية ضد الجمهور. يكفي أن تتخم الناس بتلفزيون فوكس... وستجد أن نصف الناس على الأقل لن يشكك بالسياسات المتبعة.ـ

بوجود الاستبدادية الفكرية تنتفي الحاجة إلى الدكتاتور.ـ


قال عمار ...ـ

الصفقة الوحيدة المقبولة بالنسبة لي في هذه المرحلة هي الصفقة التي تجبر آل الأسد على القبول بضرورة تجديد النظام السياسي برمته في البلد، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والسماح للمنفيين مثلي بالعودة إلى وطنهم دون أن يخشوا المضايقات الأمنية. وقد لا تكون النتيجة النهائية لذلك الديمقراطية، بل نظام أكثر انفتاحاً، إنسانية، تمثيلاً ومرونة في الحكم، يسمح بإجراء تحسينات تدريجية. وكل ما هو دون ذلك غير مقبول بالنسبة لي، حتى لو أعاد الجولان أو وفر السلام والاستقرار. وإذا كان السلام والاستقرار الموعودان والمؤمنان سيكونان من النوع السيئ الذي نشهده الآن أو الذي شهدناه في ظل آل الأسد خلال العقود القليلة المنصرمة، فمن الأفضل لي أن أراهن على الحرب والفوضى.ـ

هل ما ذكرته مبدأ، إصرار أم طموح؟ لست متأكداً حقاً، ولا أبالي. هذا هو موقفي، أياً كان. ولا يمكن القبول بشيء قبل أن تبدأ المحادثات ولا يمكن الدخول بالمحادثات قبل معرفة جدية الأطراف الأخرى، وإرساء القواعد الإجرائية. ومن الأفضل لصانعي السلام المحتملين العمل على إرساء القواعد الإجرائية المفقودة، بدلاً من التذمّر فقط من التعصّب الظاهر لمختلف الممثلين المعنيين، خلافاً لذلك فإنهم لن يصنعوا سلاماً بل سيزيدون الطين بلة.ـ

أنا لاعب في هذه اللعبة الغبية حقاً، أردت أو لم أرد، وبصرف النظر عن حجمي وثقلي الحقيقي، لذا علي أن أبيّن شروطي ومخاوفي بكل وضوح، فأنا أشارك أو على الأقل أبدو كمتعصّب في هذه المرحلة، تماماً كآل الأسد الذين أداروا ظهورهم لأي نقاش يتعلّق بالإصلاحات السياسية خلال الأشهر التي تلت تولّي بشار للسلطة، كما فشلوا في تحقيق أية إصلاحات اقتصادية أو سياسية جدية. علاوة على ذلك، ثمة الكثير من المسؤولين في أوربا والولايات المتحدة ومن السوريين أيضاً، مثلك يا أليكس في ملاحظاتك الأخيرة، على أتم الاستعداد دوماً لإرجاء المحادثات المتعلقة بالإصلاح السياسي لمجموعة من الأسباب تركّز جميعها على مسائل الأمن القومي التي "لا يمكن الاعتراض عليها." لكن، إلّم نتخذ موقفاً الآن من هذه القضايا، سيتم إرجاء قضية الإصلاح في المنطقة إلى عقود. أجل، قد لا تساعد الحرب في قضايا الإصلاح، لكن سلاماً واستقراراً من هذا النوع لن يساعدا في ذلك أيضاً.ـ

وفي الواقع، منذ أن قرّر بشار وضع حد لما بات يعرف بربيع دمشق، أصبحت مختلف تصريحاته حول جلّ القضايا، المحلّية والخارجية، أكثر عدائية وتطرفاً بشكل ملحوظ ونجح بخلق أزمة دولية صغيرة تلو أخرى دأب على استغلالها في الخطاب القومي كوسيلة لإرجاء وضع أية إصلاحات سياسية على أجندة هذه المرحلة. لقد أتقن آل الأسد تصنيع الأزمات وتصديرها منذ زمن، ويفترض بنا دوماً أن نقع في هذا الشرك وأن نكافأ جهودهم ونؤجل الدعوات إلى الإصلاح؟؟

أقول، كلا. تريدون الإشراك، إذاً يجب مناقشة جميع المشاكل، وخاصة الفجوة الديمقراطية، كما اقترحت في رسالة سابقة.ـ


قال كيفن...ـ

أحسنت قولاً يا عمار.ـ

زنوبيا:ـ

مضت التخفيضات الضريبية قدماً قبل 9/11. وجرى التنصت على المكالمات الهاتفية في عهد إدارة كلينتون. ولأن الديمقراطيين واليساريين عموماً أمضوا معظم الوقت في انتقاد سياسات بوش دون تقديم البديل أو في مقارنته بهتلر، فقد همشوا أنفسهم. وصرح هوارد بين أنه غير متأكد من أن بن لادن وراء 9/11 وأنه ينبغي محاكمته. ويغير أعضاء مجلس الشيوخ، الذين صادقوا على قرار الـ 22 نقطة الذي يقر غزو العراق، آراءهم عندما تتحول الأمور إلى وردية أكثر مما يجب. أنا أرى أن المشكلة في الولايات المتحدة تكمن الآن في أن المعارضة (للإدارة) غير ناضجة وتفتقر إلى أية بدائل واقعية. كم كان واقعياً (الانسحاب خلال ستة أشهر) الذي روج له جون كيري خلال ترشحه؟

قال ألكس...ـ

انتقدت رئيسة الكنيست، القطب في «كديما» الذي يتزعمه اولمرت، الرفض الإسرائيلي للدعوات السورية الى استئناف الحوار، وقالت لصحيفة «معاريف» انه لا ينبغي تفويت فرصة تاريخية. وأضافت: «ربما نحن إزاء فرص لتحالفات جديدة. سورية تؤشر منذ فترة إلى استعدادها للسلام، ولا أظن انه ينبغي تفويت الفرصة... هل تتخيلون تحالفا جديدا بيننا وبين سورية وما يمكن ان يعني ذلك». وتابعت: «في حال ربحنا سورية الى جانبنا، فإننا سنربح أمورا أخرى... سنربح الكثير إذا مكنّا سورية من التحرر من محور الشر، وعلينا دق اسفين بين سورية والعناصر السلبية (حزب الله وحماس وايران)». وزادت انها تؤيد توقيع إسرائيل اتفاق سلام مع سورية «حتى إن كان سلاما باردا على غرار السلام مع مصر».

احتمال هجوم سوري

على صلة، افادت «معاريف» في عنوانها الرئيس امس بان شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أحدثت تغييرا جوهريا في تقديراتها عن احتمالات نشوب حرب مع سورية وباتت ترى احتمال ذلك اكبر من ذي قبل. وأضافت انه خلافا للسنوات الماضية التي افترضت خلالها شعبة الاستخبارات ان الخيار العسكري الحقيقي مع اسرائيل ليس مطروحا، تبدل الوضع الآن واصبح احتمال نشوب حرب او هجوم سوري محدود على اسرائيل خياراً واقعياً بالنسبة الى دمشق، وان القيادة السورية تدرس بجدية مثل هذا الاحتمال. وتستدرك شعبة الاستخبارات لتضيف ان الحديث في سورية عن الخيار العسكري ما زال في طور افكار ولم تتخذ خطوات عملية في هذا الاتجاه.ـ

قال غسان كرم...ـ

عمار،ـ

هل من المحتمل أن تحليلك يخلط خطأ بين الترضية والإشراك؟ أنا أوافق كلياً على أنه يجب عدم مساعدة أو مساندة أي نظام متزمت بأي شكل من الأشكال ولكن هذا لا يعني فك الارتباط. والإبقاء على حوار بين الخصمين لا يقود إلى تعطيل التفاهم، بل العكس تماماً، ونتيجته الأسوأ ستكون المحافظة على الوضع القائم.ـ

أنا واثق من أنك ستوافق أنه كان من المفيد جداً للولايات المتحدة الإبقاء على حوار مع الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية وكان من المفيد أيضاً للغرب الإبقاء على حوار مع الصين بعد كارثة ساحة تيان آن من.ـ

قال أليكس...ـ

لقد وجدت تعليقك الأخير، يا عمار، أكثر إقناعا بكثير. أتمنى أن يكون مثل هذا قابلاً للتحقيق... كجزء من حل شامل. وإلا، لن يكون هنالك إصلاحات في سوريا حتى يشعر النظام بالراحة لأن الولايات المتحدة وأصدقاءها الإقليميين (السعودية، بعض اللبنانيين، الأردن، إسرائيل .. الخ) لا تنتظر الفرصة لإضعاف النظام داخلياً. في حين قد يقبل السوريين باتخاذ خطوات صغيرة باتجاه الديمقراطية، وهذه الخطوات ستسهل التغيرات الثورية.ـ

ولكن كما قلت في مقالتي حول سوريا الخلاقة؛ إن تلبية أهداف سوريا واحتياجاتها ضمن حل سلمي شامل يجب أن يرتبط حقاً بأهداف إصلاحية اقتصادية وسياسية قابلة للتصديق يكون النظام مسؤولاً عنها. وإذا رفض النظام اتفاقية متوازنة يستعيد فيها الجولان مقابل السلام وإصلاحات داخلية (خلال سبع سنوات) عندها يمكن أن أنضم إليك في المعارضة. أو سأصمت على الأقل.ـ

أحببت هذا الجزء من تعليقك الأخير:ـ

" ولا يمكن القبول بشيء قبل أن تبدأ المحادثات ولا يمكن الدخول بالمحادثات قبل معرفة جدية الأطراف الأخرى، وإرساء القواعد الإجرائية"ـ

وهذا يدفعني لأجيب على أسئلة كيفين:ـ

الموقف السوري شبيه بموقف عمار...ـ

1) لا تطلب منا أن نلقي بأوراقنا قبل أن تبدأ المحادثات. إن الطلب من سوريا لقطع علاقاتها مع حماس، وحزب الله وإيران، كقولك لسوريا: "لا يمكننا التفاوض معكم إلا إذا كنتم ضعفاء وغير مؤذيين" ... لا شكراً. هذه هي اللغة التي تستخدمها مع الجانب الآخر إذا كنت قد سحقت إلى الأبد في حرب كبيرة إلى حد ما.ـ

2)أنت لا تتفاوض حتى يعرب الطرف الآخر عن جديته وتعرف القواعد الإجرائية... وفي حالة سوريا هذا يعني أنها اكتوت مرتين بعد أن أمضت سنوات تفاوض، وتوصلت تقريباً إلى اتفاقيات مع السيد باراك (الذي استبدل بالسيد شارون). وفي كلتا الحالتين ألغت إسرائيل جميع اتفاقياتها مع سوريا (لم تكن قد وقعت بعد، وهذا كان ممكناً). وحتى الآن، يتساءل الكثير من الغربيين لماذا لا تظهر سوريا المرونة الكافية مع إسرائيل. لكنهم استفادوا من تجاربهم.ـ

ولآن أعود إلى أسئلتك المحددة بشأن إيران وحماس وحزب الله:ـ

1) إيران: إذا كانت سوريا مقتنعة بأنها وقعت اتفاقية سلام عادلة، إذا كان حزب الله مقتنعاً أن الشيعة في لبنان الذين يشكلون 40% من سكانه يحظون بحصة عادلة من السلطة في لبنان (ديمقراطية صوت واحد لكل فرد ؟) إذا بدأت الولايات المتحدة بالتعاون مع سوريا وإيران حول العراق (معترفة بقدرة البلدين على لعب أدوار ايجابية) وإذا توقفت الولايات المتحدة عن معاملة إيران (آيات الله) بطريقة مهينة، عندها سيجد الإيرانيون صعوبة أكبر بتوسيع دورهم وتأثيرهم في الشرق الأوسط ... على الأقل ليس بطريقة سلبية.ـ

وثمة أمر أخر ضروري لتهدئة إيران، وهو الطلب من إسرائيل لاتخاذ إجراءات فورية لتحسين مستوى حياة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. والذي يقودني إلى سؤالك حول حماس:ـ

2) تملك سوريا تأثيراً كبيراً على حماس، ولكن ليس بمقدورها أن تأمرهم بقبول شروط غير مناسبة للشعب الفلسطيني. إذا قررت الولايات المتحدة وإسرائيل أن تصبحا أكثر واقعية في ما هم راغبون بعرضه على الفلسطينيين في اتفاقية سلام محتملة (قريبة من حدود 67، جزء صغير من القدس الشرقية) يمكن أن تشعر سوريا بالارتياح لمحاولة قلب الموازين في فلسطين بطريقة تجلب الانتخابات المقبلة حكومة أكثر اعتدالاً (شخصيات معتدلة من حماس بالإضافة إلى فتح على سبيل المثال). لقد كان التصويت لحماس رد فعل واضح على السياسات المتطرفة لرئيس الوزراء شارون في الأراضي المحتملة. وعندما تتخلى إسرائيل عن تلك السياسات، يتوقع (بعد بعض التأخير) أن تشهد تغيرات ايجابية في فلسطين.ـ

3) وحزب الله أيضاً ليس تحت السيطرة السورية كلياً (ولا تحت السيطرة الإيرانية). ولكن من جديد إذا كانت سورية (وبقية اللبنانيين الأصدقاء للولايات المتحدة) راضين بحل لسوريا (الجولان) وإصلاحات ديمقراطية في لبنان (المزيد من السلطة للشيعة) وإذا كانت إيران راضية عملياً، عندها لن يكون حزب الله هو المخرب.ـ

كما قلت في مقابلتي القصيرة مع هآريتز الشهر الماضي إن الجزء الخاص بسوريا في الاتفاقية سهل: الجولان بالإضافة إلى اعتراف بدور إقليمي محدود لدمشق. ولكن لمساعدة سوريا على التحول إلى معسكر السلام، وللحصول على منافع إضافية (تعديل في تصرفات ومواقف حزب الله وحماس) فثمة حاجة لإرضاء تلك الأطراف جزئياً. ومرة أخرى إن الحلول الوسط على كل الجبهات ممكنة.ـ

لدي جدول أكثر تفصيلاً حول الخطوات الأساسية لخطوات مستقبلية... الخ. ولكنك استوعبت الفكرة.ـ

قال أليكس...ـ

تصحيح للفقرة الأولى:ـ

تلك الخطوات لن تسهل التغييرات الثورية بين عشية وضحاها. فالنظام والشعب السوري لا يريد تغييرات فوضوية، حتى لو كانت على سبيل الافتراض ستقود إلى "الديمقراطية".ـ

قال عمار...ـ

غسان،ـ

أنت محق تماماً، قلت في مكان ما بأن الإشراك اختزل إلى "الاحتواء" ربما كان علي أن أقول "الاسترضاء". حقاً انه خلط بين الإشراك والاسترضاء إنها مشكلة بالنسبة لي.ـ

أليكس،ـ

لو يستطيع آل الأسد الوفاء...ـ

قال أليكس...ـ

لن نعرف إذا كان آل الأسد يستطيعون الوفاء حتى يبدؤون التحدث معهم لبدء العملية.ـ

قال كيفن...ـ

أليكس: شكراً لردك، انه معقول جداً. ولكنك لم تناقش القضية الأولى المتعلقة بالفقهاء. فأنا لا أعتقد أن المسألة تكمن فقط في معاملة الفقهاء بطريقة أفضل. المسألة هي بالنفاق الصريح الذي استخدمه الفقهاء في علاقاتهم الدبلوماسية. فقد بلغ بهم الأمر حد معانقة الرؤساء الأمريكيين (لا يعني أنهم لا يستحقون ذلك على الدوام). مثال على ذلك: أوفت الحومة الأمريكية بالتزاماتها التي تعهدت بها لحل مشكلة الرهائن، حتى عندما كان من الواضح أن ليس هذا ما أراده شعبها (حماية الممتلكات الإيرانية المجمدة من دعاوى الرهائن. والفقهاء من جهة أخرى، نشروا قضية إيران- الكونترا بعد أن وعدت بإبقاء الاتصالات الأمريكية ـ الإيرانية سرية. لن أناقش سلسلة الخداع الصريح الذي مارسوه في مفاوضاتهم أثناء أزمة الرهائن. أو الاتفاقيات مع الحكومة البريطانية بشأن حكم الإعدام على رشدي. أو تعاملهم مع الوكالة العالمية للطاقة النووية. هل سيتصرف السوريون (حكومة الأسد) بنفس الطريقة؟ أو لو أن الولايات المتحدة استولت على سفارتك، واعتقلت وضربت موظفيها واحتفظت بهم لأكثر من سنة، كم سيكون الأسد مستعد للثقة بالولايات المتحدة؟

يبدو لي أن الفقهاء لا يكترثون لخرق التعهدات والمعايير الدولية في الدبلوماسية حالما تتوفر الفرصة. وأعمالهم تكذب اعتقادهم الواضح أن كل شيء هو لعبة كل شيء أو لا شيء. في الدبلوماسية الضمانة الوحيدة أحياناً هي كلمة المشاركين. يبدو أن كلمة الفقهاء لا تعني الكثير.ـ

قال أليكس...ـ

كيفن،ـ

سؤال مهم. سأتناوله من هذا المنظور:ـ

لدى الفقهاء قائمة طويلة من الشكاوى ضد الولايات المتحدة والطريقة التي تعاملت بها مع إيران في الماضي. لهذا، التمسوا عذراً في أفعالهم الدولية التي أسفرت عن إحراجات للولايات المتحدة.ـ
إذا أخذنا بعين الاعتبار الأعمال غير المستحبة للرئيس بوش حتى الآن، قد تكون محقاً بأن الإيرانيين سيواصلون مواجهته حتى انتهاء ولايته. ومن المؤسف أن الانتقام رائج في الشرق الأوسط وغير محصور بالفقهاء. إسرائيل، حماس، اللبنانيون خلال الحرب الأهلية ... الجميع شارك بالانتقام.ـ

وبالنسبة لقادة الشيعة في إيران (الفقهاء) الذين يطلبون الحكمة، فان تبريرهم لهذا الانتقام هو أنهم يلقنون الولايات المتحدة درساً لكي لا ترتكب أخطاء مشابهة في المستقبل.ـ

لهذا لا أقترح الآن طلب المعجزات على الجبهة الإيرانية. وأعتقد أن تهدئة عامة للوضع في الشرق الأوسط هي أفضل دفاع ضد قدرة إيران على النجاح باكتساب المزيد من الدعم الشعبي في بقية العالم العربي (السني).ـ

نأمل أن تفتح إدارة أمريكية جديدة صفحة جديدة مع إيران تقود في النهاية إلى عكس السلبية التي شهدناها في الماضي.ـ

أما بالنسبة للبرنامج النووي... فأنا أخشى أن تكون الطريقة الوحيدة لوقفهم هو القيام بعمل ما تجاه منافسي إيران في المنطقة: باكستان السنية، وإسرائيل... كلتاهما امتلكتا الأسلحة النووية وقد قبلت الولايات المتحدة ذلك تماماً.ـ

سيمتلكون أسلحتهم النووية ... اجعلهم أصدقائك.ـ

ودع القلق يساورك بنفس الطريقة من باكستان... حتى يهدأ الشرق الأوسط، الله يعلم أين ستتفجر.ـ

أما بالنسبة "لآل الأسد"، فقد عرف الرئيس حافظ الأسد باحترامه للاتفاقيات الدولية التي وقعها. كان يفاوض إلى ما لا نهاية ليحصل على الاتفاقية التي يشعر أنها أفضل ما تستطيع سوريا الحصول عليه في كل الظروف. ولكن عندما كان يوقعها، يقر الجميع (كيسنجر، وباراك، وبيكر... الخ) أنهم كانوا يثقون بأنه سينفذها تماماً.ـ

والآن، لبشار قصة شهيرة تتعلق بزيارة وزير الخارجية باول لسوريا عام 2003، وأعتقد أنها عندما صرح باول بأن بشار وعده بأمور لم ينفذها. ومن ثم هنالك "الإستراتيجية" السورية الجديدة في الإعلان عن الموقف، وبعد عدة أيام تقديم رواية مختلفة (من خلال النفي الرسمي عادة). لذا لا نعلم بعد إلى أي درجة ستحترم الإدارة السورية كلمتها.ـ

ولكن بصراحة، أعتقد أنها طورت عادة الألعاب القذرة هذه لأن الأمريكيين وحلفاءهم في الشرق الأوسط مارسوا الألعاب نفسها. وبالنسبة للكذب، هل تعلم لمن تذهب الميدالية الذهبية؟

على الأرجح سيحترم آل الأسد الاتفاقيات الدولية التي وقعوها... ما لم تكن مفروضة عليهم.ـ

وثمة أمر أخر.. إن ربط "الإصلاح الديمقراطي" بعملية السلام هذه أشبه بإنذارهم بعقوبة شخصية، عقوبة الإقصاء إذا وقعوا على السلام. لهذا أقترح مرحلة انتقالية لدورة رئاسية أخرى من سبع سنوات قبل إجراء تغييرات ديمقراطية حقيقية. وخلال هذه السنوات، يمكن إجراء إصلاحات اقتصادية واتخاذ العديد من الإجراءات المتعلقة بالإصلاحات السياسية (تأسيس المزيد من الأحزاب السياسية، ومن ثم الانتخابات البلدية، تليها الانتخابات البرلمانية .. الخ)ـ

وأخيراً، إذا كنت لا ترغب بأن تفوز حماس أخرى في سوريا، تريث حتى تهدأ نفوس الشعب السوري قبل أن تسألهم اختيار قادتهم المنتخبين ديمقراطياً. لأن بضعة سنوات من الهدوء ومثلها من الازدهار الاقتصادي ستغير الأمور.ـ

قال ر ...ـ

إنها لمناقشة مهمة. ومع ذلك، لدي بعض الشكوك الجدية حول بعض الجوانب المتعلقة بالمنطق الذي يستخدمه أليكس.ـ

تبدو المسلمة كما لو أن آل الأسد سيكونوا مستعدين لإقرار بعض النقاط إذا قدم لسوريا ما يكفي. فأنا أعجز تماماً عن تصور كيف أن نظاماً، غير معزز بدعم شعبي على الأرجح، مستعد للسماح بعملية يتم من خلالها انتخاب حكومة بالتصويت الشعبي. إنها أشبه تماماً بوصفة لكارثة بالنسبة لهم. ومن ثم، يجب أن تطبق في غضون سبع سنوات اعتباراً من الآن. علاوة على ذلك، نحن لا ننظر إلى دكتاتور من النوع "الخير" هنا، سيكون مستعداً على الدوام أن يبذل ما بوسعه لصالح سوريا. نحن (كما أعلم) ننظر إلى نظام أشبه بشبكة من المصالح والقوى الشخصية التي تتنافس في ما بينها إلى حد معين، ولكنها تدرك الحاجة المتبادلة فيما بينها. وأنا أشك في أن يكون بشار الرجل القوي كما كان والده، بمعنى أن حافظ كان على الأرجح يستطيع اتخاذ القرارات بمفرده ويفرضها، بينما على هذا الرجل على الأرجح أن يقوم ببعض النشاط حتى يعطي تعليماته. والشيء الرئيسي، حتى لو أقنع بشار بأعجوبة بالصفقة الشاملة التي كان يتحدث عنها أليكس، لن يخفف الزمن مهما طال أو قصر من طبيعة النظام، أو يقنع شركاءه بالتخلي عن مصالحهم الشخصية. وأشك في أن بشار سينجو بعد قرار من هذا النوع. مرة أخرى، أنا لست خبيراً نشيطاً في الشؤون السورية كما يبدو كالكثير من الناس في هذه المدونة.ـ

قال أليكس...ـ

ر، سؤالك مشروع تماماً. لا شك أن إقناع هؤلاء الذين ينعمون بمنافع شخصية من النظام الحالي بأن يتعاونوا أو ألا يقاموا التغييرات التدريجية على الأقل (خلال 7 سنوات) والتي ستؤدي في نهاية المطاف إلى وضع حد لمنافعهم الحالية يمثل تحدياً. ولكن ثمة الكثير من "الأدوات" الممكنة. لكل شخص رزمة محددة من المكافآت المحتملة التي يمكن أن توفر الحافز الضروري. وليس جميع المكفآت مالية. على سبيل المثال الاعتراف بخدماتهم لبلدهم (بدلاً من الإذلال، كما حصل للبعثيين والجنرالات العسكريين في العراق)، لنقل مواقع إدارية في الشركات الجديدة، عضوية في البرلمان السوري أو اللجان الاستشارية، و، بالطبع فرص استثمارات مالية تسمح لهم بالمحافظة على نمط حياتهم إذا كان هذا ما يزال يهمهم، ولكن ضمن إطار أكثر قانونية بالطبع.ـ

من المهم فهم نفسية كل نوع من الأشخاص، بدلاً من التعامل مع الجميع بوصفهم "مجرمين فاسدين". البعض فاسد، وآخرون يبذلون ما بوسعهم حقاً لخدمة بلدهم (أنا أعرف بضعة أشخاص). لا يمكنك تصنيف الجميع في بطاقة التصنيف السلبية: "النظام"ـ

علاوة على ذلك، أصبح الكثير من شخصيات النظام، وجنرالات الجيش في منتصف السبعينات الآن (زملاء حافظ). لقد تعبوا. وكل ما يبغونه هو أن يكرموا في نهاية "خدمتهم لبلدهم".ـ

وإذا كان لا يزال أولادهم تواقين لتنمية مشاريعهم، فان السنوات السبع ستوفر مرحلة ضعف تدريجية مناسبة يستطيعون خلالها نقل مشاريعهم إلى دبي أو أوربا إذا أرادوا ذلك.ـ

يستطيع أمير قطر وحكام دبي المساعدة لضمان أن يحصل هؤلاء الناس على معاملة خاصة في أوطانهم الجديدة.ـ

ومن سيبقى يقاوم، لن يستطيع مواجهة الزخم الشعبي للتغيير، إذا لم تكن عملية التغيير فوضوية كالتي نشهدها الآن.ـ

مرة أخرى، التجربة أكبر برهان. وصفني كيفن بالحالم مقدماً. لا بأس في ذلك، لكنني لا أوافق. أعتقد أن هنالك حلولاً لمشاكل الشرق الأوسط الطويلة المدى. ولسوء الحظ هذه الحلول مرفوضة من مختلف الأطراف لوجود استحقاقات أخرى.ـ

1)البعض يريد الانتقام، أو إعطاء الدروس، وآخرون (لا أحد يقرها، بالطبع) ... أي حل لا يلبي حاجتهم للانتقام مرفوض كونه "غير عملي".ـ

2) ولدى بعض الدول مجموعة من المتطلبات الإضافية الخفية الخاصة بها والتي تعقد الأمور بشكل تصاعدي. والشرق الأوسط لديه ما يكفيه من القضايا التي تحتاج إلى الحل.ـ

3) البعض لا يريد حل أي شيء. فالفوضى والمجهول والنزاعات المسلح توفر فرصاً رائعة لهم. إن النقطة التي أثارها ر تنطبق إلى درجة أكبر على من هم خارج النظام السوري وخارج الشرق الأوسط. وهذا بالنسبة لي يمثل تحد أكبر، كيف يمكنك إقناعهم بعدم مقاومة حل سيؤدى على الأرجح إلى تقليص نفقات الدفاع في بلدهم وفي مختلف الدول الزبونة في الشرق الأوسط.ـ

أعتقد، أن عليك أن تتأكد من قطع وعد لهم بفرص استثنائية في مشاريع تنموية أخرى يمكنهم أن يستثمروا بها، في الشرق الأوسط بعد تحقيق السلام.ـ

خلاصة رسالتي الأخيرة الطويلة: تأكد من ألا يصبح أي طرف قوي في حال أسوأ نتيجة عملية السلام.ـ

اسأل الرئيس بوش الأب وجيمي بيكر كيف استطاعوا إنشاء تحالف واسع لإخراج العراق من الكويت.ـ

قال سوري في الشرق الأقصى...ـ

أعتقد أن المشكلة الحقيقية للإشراك التي يدعوا لها البعض مقابل التدخل الحازم الذي يدعوا له آخرون هنا هي أن كلاهما متوقفان على شفقة المشارك/المتدخل.ـ

أنا لا أعتقد أن لدى الغرب، أو على الأقل حكومة الولايات المتحدة، إيديولوجية بحد ذاتها. ولهذا اختلف تدخلهم/إشراكهم إلى حد كبير حسب الناس الذين في قمة الإدارة أكثر من أي شيء آخر.ـ

لقد غطت نظرة الولايات المتحدة كامل الطيف بين كونها المحتل الأكثر إحسانا ومجلبة للخير الذي لم يسبق له مثيل (الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال)، إلى المحتل الأكثر شراً وجلباً للكوارث (فيتنام، والعراق)، إلى ما بينهما (كوريا، تشيلي، أمريكا الجنوبية، الصرب، أفغانستان، أوربا الشرقية، الخ).ـ

بعد رؤيتي لما جلبه وزير الخارجية جورج مارشال إلى أوربا وما جلبه الجنرال ماك آرثر لليابان وكوريا من خلال رؤيتهم وخططهم البعيدة النظر، أقدر أن الكثيرين سيرغبوا بالوقوف أمام الباب يحملون الورود للترحيب بهم حتى لو جاؤوا كمحتلين. وبعد أن رأيت ما فعله وزير الدفاع دونالد رامزفيلد وشركاه للعراق بتخطيطهم الشرير ورؤيتهم المتسمة بقلة التبصر، ستكون الأغلبية ضد الدعم وحتى الحوار المفيد مع أولئك الناس، هذا فضلاً عن التدخل الحازم.ـ

السيد عبد الحميد، إن الكثير من الناس الذين يؤيدون الإشراك أو حتى الاسترضاء يفعلون ذلك لأنهم لا يرون أمثال ماك آرثر، ولا يرون الإدارة التي بنت كوريا الجنوبية وتايوان أو الإدارة التي دعمت بولندا وبقية أوربا الشرقية إبان تفكيكهم للاتحاد السوفيتي، بنية حسنة. إنهم لا يرون إدارة ذات رؤية متوازنة بين ما هو جيد للولايات المتحدة وما هو جيد للدول التي تلزمها، تهدئها، تدعمها أو تغزوها. إدارة يمكنها أن تعطي مثلاً أو أملاً لشعب مثلنا لكي تقنعهم بأن عليهم أن يؤيدوا أية إجراءات إضافية.ـ

في الواقع، إن الإشراك أو الاسترضاء أو كل ما يمكن أن ندافع عنه، لا يدافع عنه بحد ذاته، بل بالأحرى مجرد طريقة لتهدئة الأمور بانتظار أن تدور الدورة وتظهر إدارة منطقية.ـ

على الأقل، هذا هو رأيي.ـ

قال عمار...ـ

تم تغطية المسألة بشكل واف، ولكن وجهة نظري الأساسية هنا هي أنه لا يمكننا الدفاع عن الإشراك قبل حلّ مشكلة القواعد الرئيسية ومؤشرات الإشراك. وإلا، وكما أشرت أنت ببلاغة، فان دفاعنا عن الإشراك يأتي كإشارة إلى حجم إحباطنا أكثر من أي شيء آخر. ولكنه يظهر أيضاً عدم قدرتنا على الخروج ببديل سياسي واقعي يمكننا فرضه على المشهد. وإذا كانت هذه الإدارة لا توفّر قادة من النوع المناسب، فلابد على الحشد المؤيد للإشراك أن يحاول توفيرهم، ومقياس القائد المناسب هنا هو قدرته على أن يعلن بوضوح ما هي قواعد ومؤشرات الإشراك المقترح.ـ

قال سوري في الشرق الأقصى...ـ

"لا يمكننا الدفاع عن الإشراك قبل حل مشكلة القواعد الرئيسية ومؤشرات الإشراك. وإلا، وكما أشرت أنت ببلاغة، فان دفاعنا عن الإشراك يأتي كإشارة إلى حجم إحباطنا أكثر من أي شيء آخر. ولكنه يظهر أيضاً عدم قدراتنا على الخروج ببديل سياسي واقعي يمكننا فرضه على المشهد."ـ

بالتأكيد يا سيد عبد الحميد، بالتأكيد. لا يمكنني أن أعبر كفاية كم كانت الفقرة السابقة دقيقة ومحيطة بالمشكلة الحقيقية. الحقيقة هي أنه بقدر ما هي كئيبة وكاريكاتورية رؤية المحافظين الجدد لبلدنا، فان أكثر من يقاتلها من الناس هم إما أناس ليس لديهم رؤية أو خطة خاصة بهم، كما هو الحال عند النظام وتجمعه في الداخل وتجمع الاسترضاء في الخارج، أو أناس لديهم نسختهم الخاصة بهم عن الرؤية الكئيبة والكاريكاتورية، كما هو الحال بالنسبة للمتطرفين وأمثالهم. وإذاً هل يمكن أن تكون أيضاً شخصيات دون الوسط ومفلسة مفهومياً مثل نصر الله، وبشار، والبيانوني، وبوش، ورامز فيلد إلى نهاية القائمة من اللاعبين الفعالين في هذه الأيام إلا شعبية كما هي بين تجمعاتها؟ أليس لدينا مثل يقول: لندرة الخيول أسرجنا الكلاب.ـ


قال أليكس...ـ

خلال السنتين الماضيتين، كان جل أملنا تجنب الحرب، أو أن نتقدم ببعض القضايا إذا كنا محظوظين فعلاً.ـ

أنا راض بذلك.ـ

لنر من سينتخب الأمريكيون في المرة القادمة. فالعالم يحتاج إلى استراحة من "الفوضى الخلاقة" التي نعيشها منذ سنوات. و لن يظهر "النظام العالمي الجديد" من بين هذه الفوضى. أو على الأقل ليس النظام العالمي الجديد الذي نطمح به.ـ

قال عمار...ـ

في هذه الأثناء علينا مواصلة الترويج لأجندتنا الخاصة ونهجنا الملائم، وعلينا أن نتفكر معاً حول ما ينبغي فعله، وإلا سنكون خلال سنتين على الهامش. علاوة على ذلك، إذا كنا نؤمن بأن لدينا بعض الأفكار المناسبة، علينا مواصلة الجهر بها، لأنه إذا لم تنجح في تغيير مسار الأحدث، فإنها قد تؤثر عليه، ولا يهم إن كان التأثير خفيفاً.ـ

قال أليكس...ـ

كلا، في هذه الأثناء علينا العودة لمناقشة أكلة الحمص الخ.ـ

قال إحساني...ـ

يشير أليكس إلي غالباً بالسيد أبيض وأسود. انه حار أو بارد. لا مكان لحل وسط. لا أمور غامضة. وتقييمه صحيح إلى حد ما.ـ

لقد حاولت تفحص معظم التعليقات الواردة أعلاه. كان الحوار بالطبع مهذباً جداً. ولكنني أعتقد أنه بعد 26 رسالة كانت معظم التعليقات غامضة جداً بالنسبة لمذاقي.ـ

وتطور موضوع عمار عن الإشراك مقابل الديمقراطية خلال النقاش إلى ما دعاه سوري في الشرق الأقصى الإشراك مقابل التدخل الحازم.ـ

الإشراك مع القيادة السورية الحالية يعني منح عائلة الأسد تفويضاً مطلقاً لحكم هذه الأمة للسنوات الخمسين التالية. لنحاول ألا نحلي هذا. وان فكرة أن يجري هذا النظام انتخابات خلال 7 سنوات وأن يسيروا نحو الغروب إذا خسروا لفكرة خيالية. وإذا كان بشار يحظى بشعبية كما يوحى، لماذا لا يجري انتخابات حرة في السنة القادمة بدلاً من الاستفتاء المخزي الذي سنعيشه؟

الجواب بالطبع، هو لأنه يدرك أنه سوف يخسر. أنا أتحداه أن يسمح لجميع أصوات المنشقين والمعارضة أن يديروا حملة انتخابية ضده بطريقة حرة وشفافة. أنا واثق أنه سيخسر بشكل حاسم. لماذا؟ هذا لأنه خذل شعبه. لقد قدم لهذا الرجل طبق ذهبي لكنه بدده. لم يبدده بسبب أمريكا وجورج بوش. بدده لأنه كان مشغولاً جداً في إثراء نفسه وعائلته. بدده لأنه انتابه إحساس بأن مخول بالقيادة دون أن يكون عرضة للمحاسبة من قبل أحد. بدده لأنه كان عليه أن يثبت رجولته وأنه صلب كما كان والده. بدده لأنه فشل بتقديم الحريات الرئيسية والازدهار لشعبه الذي حرم منها لثلاث وأربعين سنة.ـ

أما بالنسبة لأمريكا، فقد ساعدهم في البداية خلال ملاحقتهم للإرهابيين الإسلاميين. ولكنه لم يفوت الفرصة لجني الكثير من الأموال من صدام عندما احتاج إلى مخرج للمبالغ الكبيرة المسروقة. ولم يستفد فقط من الأيام الأخيرة للنظام العراقي ولكنه شن حملة ضد البيت الأبيض وسياسته في العراق منذ ذلك الوقت. لقد آوى المسؤولين العراقيين. وسمح للجهاديين بالعبور من الحدود ووضع نفسه في منزلة أكثر القادة العرب صراحة في عداءه للأمريكيين في المنطقة. وإذا كان هذا غير كاف، جازف بكل شيء في لبنان. وفرض مرشحه الرئاسي على الجميع ولاحقاً جعل نفسه المشتبه الأول في قتل السياسي الأكثر بروزاً في العالم. وإذا كان هذا غير كاف، واصل استضافة زعماء حماس علناً في عاصمته وأيد إيران الطموحة نووياً ووكيله في لبنان.ـ

أرجو أن تقرأ الفقرة السابقة ومن ثم تسأل نفسك هذا السؤال:ـ

إذا كنت تقود البيت الأبيض، هل "ستشرك" هذا الرجل المحترم؟ أليكس يرغب بإشراكه لأنه يريد تجنيب المنطقة حرباً مفتوحة. هذا ليس إشراكاً. هذا استرضاء. هذا موافقة على الابتزاز. لقد نصب النظامان السوري والإيراني نفسيهما خبراء في خلق المشاكل والفوضى. ومكافأة لجهودهم، على أمريكا ، وأوربا، والعرب والشعب السوري أن يجلسوا ويشركوهما.ـ

أعتقد أننا نستحق أفضل من ذلك. لا يمكننا أن ندع خوفنا من المستقبل يحرم شعبنا مسعاه الإنساني الأهم للحرية والازدهار. يعتقد معظم الناس أن أي تغيير سيؤدي إلى الاضطرابات والفوضى. وهذا وقوع في الشرك الذي يخطط له هذا النوع من الأنظمة بمهارة.ـ

دخلت العراق في الفوضى لأنه كان على الولايات المتحدة إزالة صدام خلال الحرب الأولى. وكان لعدم القيام بذلك في حينه أن سمح للبلد بالتسلح إلى أعلى درجة ممكنة. وسمح للأكراد بإدارة دولة ضمن دولة بسبب مناطق الحظر الجوي. وفعل شيعة الجنوب الأمر نفسه. كان أمامهم 13 سنة ليسلحوا أنفسهم ويتحدوا الحكومة المركزية التي كانت تحكم المركز فقط. برأيي، لو أسقط صدام حسين عام 1990 لتفادى العراق الوضع السياسي الحالي.ـ

يزعم الناس بأن سوريا ستدخل في حرب أهلية إذا سقط هذا النظام. من يملك السلاح الآن لخوض حرب أهلية؟ طالما أن الجيش تحت سيطرة القائد العام، لا يوجد فرد في سوريا لديه القدرة العسكرية للدخول في نزاع مسلح.ـ

دعونا نوقف وسائل الترويع. بلدنا العظيم هذا يحيد عن جادة الصواب من زمن بعيد. وهذه القيادة فشلت في القيام بواجباتها. والإصلاح ليست الكلمة الفعالة. التغيير وإعادة البناء الكليين هما المناسبين. ولكنهما قد لا يتمان بسهولة ويسر. ولكن قبول الوضع السياسي الراهن خطأ وجميعنا يعلم ذلك.ـ


قال أليكس...ـ

صديقي العزيز إحساني،ـ

خطبة مبسطة جداً. وفي الحقيقة تذكرني بالادعاءات المتكررة لخدام خلال 5000 مقابلة أجراها مع وسائل الإعلام المملوكة من السعودية هذه السنة.ـ

مرة أخرى، أقترح عليك أن تأخذ بعض الدروس لتنشط معرفتك، وإدراكك لضرورة الاحتمالات في الحياة. تريدنا أن نؤمن بأنه خلافاً لحالة معظم الأشياء في الحياة تقريباً، عندما يتعلق الأمر بمحاكمة النظام السوري، تصبح فجأة جميع العمليات حتمية بالمطلق.ـ

أنت تعلم أننا ناقشنا هذه النقاط القديمة نفسها أعلاه في مدونة يوشع، نقطة تلو الأخرى. وفي النهاية كنت دوماً توقف الحوار. هل تريد البدء من جديد؟

لكثرة ما كتبت في هذه الرسالة... أصبحت ضجراً من الاستماع لنفسي.ـ

لنناقشها نقطة تلو الأخرى.. وان كنت نشيطاً غداً يمكننا مناقشة البقية.ـ

ادعاؤك # 1 لو أن الانتخابات تجري اليوم سيخسر بشار بالتأكيد أمام بديل مناسب (أفضل بكثير)ـ

هل شاهدت التلفزيون المصري يناقش الانتخابات الرئاسية السنة الماضية؟ أعتقد أنه كان هنالك 9 مرشحين. وأعرف الكثيرين الذين لا يمكن أن يدعموا حسني "جاموسة" مبارك. وبعد أن استمعوا إلى المرشحين السياسيين الآخرين، قرروا التصويت لصالح حسني مبارك ثانية...لم يعرف أحد شيئاً عن إدارة الدولة سوى تذمرهم من الافتقار إلى الحريات السياسية والفساد...الخ.ـ

إجابة على سؤالك: من يعلم أن بشار سيفوز أو يخسر انتخابات حرة في السنة القادمة. أعتقد أنه إذا جرت الانتخابات اليوم فانه سيفوز بأغلبية كبيرة.. ثمة أناس يحبونه وأناس لا يثقون بأسماء (مثل خدام)، علاوة على ذلك، بعد "انتصار" حزب الله فان بشار(الذي دعم حزب الله عسكرياً وسياسياً) كسب بعض النقاط في سوريا.ـ

إذا جرت الانتخابات بعد بضعة أشهر من الآن، سيفعل الأخوان المسلمون ما يفعلونه دوماً... يقنعون عدداً كافياً من الناس بأن التصويت ضدهم هو تصويت ضد الله وضد الإسلام. لذا قد يتمكنوا من تحدي بشار.ـ

ولكن مرشحك المفضل (أياً كان) لن يفوز.. يا صديقي إحساني، حتى في الولايات المتحدة، أولئك الذين يفوزون في الانتخابات الرئاسية ليسوا عادة الأذكى والأنقى. والشيء نفسه (أو الأسوأ) يجب أن نتوقعه في الشرق الأوسط... ولكنك ستجادل بالطبع بأن سوريا ستتميز عن بقية الحالات الأخرى في تلك المنطقة... ستجادل أن نتائج التغييرات في سوريا بيضاء بالتأكيد!ـ

لماذا؟ الله أعلم.ـ

Friday, October 13, 2006

صيحات الحرب وألعاب تحميل المسؤولية


عن مدونتي البديلة "نذور هرطقية

لا يبدو أنه مقدّر للأصوات التي تدعو للتعقّل، وهي قليلة جداً أساساً، أن تسود في المنطقة هذه الأيام. وفي الواقع، لا يمكنني أن أعد سوى صوت واحد في هذا الصدد، صوت رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة. أما الأصوات الأخرى، فكلّها تدعو للحرب وتمهّد لها، بشكل أو آخر، عن قناعة بها، أو من منطلق التلاعب والرهان على عدم جاهزية الطرف الآخر. ومن أهم هذه الأصوات المتكاثرة ، ومن أهمها: محمود أحمدي نجاد، وحسن نصر الله، وبشار الأسد. حيث أضاع الأول دقائقه الثمينة في مجلس الأمن ومدينة نيويورك في محاولة فاشلة للتظارف، اكسبته بعضاً من القهقهات وقليلاً من التصفيق (على غرار ما حدث مع الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز)، لكن لم تكسب لقضيته أي تفهّم أو دعم حقيقيين.ـ


في حين قدّم الأخيران عرضاً غريباً، على طريقة لوريل وهاردي، بتهديدهما لقوات اليونيفيل وإسرائيل، وانتقادهما لجميع معارضيهما في لبنان، واتهامهما لهم بالخيانة والعمالة لإسرائيل، وهذا ليس مجرّد غباء فحسب بل تعبير عن مخيلة شديدة الفقر.ـ


وهكذا يبدو أن تحالف المتطرّفين قد بدأ يصعّد الأمور من جديد، وباتت الساحة اليوم مهيأة لجولة ثانية مع إسرائيل في الوقت المناسب، فالجميع يريد استفزاز الوحش من جديد، لصرف الانتباه عن متاعبه الداخلية وأعباء المواجهات والاستحقاقات المترتبة عليها.ـ


ياترى، أي مظهر سيتخذه الاستفزاز هذه المرة؟


لكن، وأياً كان الاستفزاز، سيجد البعض من غير شك في طريقة عرضي للأمور هنا محاولة لإلقاء اللوم على طرف واحد من المعادلة. وقد يكون هذا صحيحاً. فأنا في الواقع أضع اللوم دوماً عليـ"نا" قبل كل شيء. لماذا؟ لأننا دأبنا على تبنّي عقلية الضحية وخطابها منذ عقود دون طائل. نحن بحاجة إلى ما هو أفضل. نحن بحاجة إلى طرق مختلفة في التعبير عن أنفسنا وهمومنا. وعندما أقول "نحن" أنا لا أعني بالتأكيد آل الأسد في سوريا، أو أي نظام قائم في المنطقة، فهي أكثر غباءاً و فساداً من أن تفكّر بطريقة مختلفة.ـ

أنا أقصد، في الحقيقة، الفئات الأكثر تحضّراً من أكاديميين، ومثقفين، ومهنيين بمختلف نحلهم، والذين، استناداً إلى ثقافتهم وخبرتهم، يفترض بهم أن يكونوا أكثر وعياً من أن يستمروا بالمراهنة على الأنظمة الراهنة، وأن يدركوا حقاً أن اللجوء إلى عقلية وخطاب الضحية أو لعبة "كل شيء أو لا شيء" لم تقدنا تاريخياً إلا إلى تمكين الأنظمة الاستبدادية، وإلى تخريب اقتصادنا وتدمير بنيتنا التحتية. وفي هذه الحالة، فإن المصلحة الوطنية تعني أن نتعلذم متى وكيف نقلّل الخسائر لكي نتمكن من استثمار ما تبقى لدينا من موارد قليلة في تنمية بلداننا ودمجها مع الاقتصاد العالمي بطريقة تسمح لنا بجني بعض الفوائد على الأقل، لا أن ندفع الثمن وحسب.ـ

وفي الواقع، لقد أثبتت أساليبنا التقليدية في المقاومة مراراً وتكراراً على أنها عقيمة، ناهيك عن كلفها المرتفعة، من الناحيتين المادية والإنسانية. وقد أدرك أنور السادات في مصر والملك حسين في الأردن هذه الحقيقة منذ زمن، ولهذا، سارعا فيي اللحظة المناسبة إلى توقيع اتفاق مع إسرائيل سمح لهما بإخراج بلديهما من الطوق. لكن السلام مع إسرائيل، كما شهدنا عبر السنين والعقود الماضية، لم يترجم أتوماتيكياً إلى تنمية، وإصلاح، ودمقرطة. لذا، وإذا كانت التنمية والديمقراطية هما الهدفين الحقيقيين للمطالبات التغييرية، لماذا لا نبدأ بهما إذن؟ لماذا نستمرّ بإرجائهما إلى أجل غير مسمّى، أجل مستقبلي وهمي؟ ففي الواقع، قد تكون حكومة سورية ديمقراطية أكثر قدرة على توقيع اتفاقية سلام عادل مع إسرائيل من حكومة استبدادية. وعلى أية حال، لقد سبق واختبرنا الخيار الاستبدادي، ورأينا كيف أثبت فشله. ألم يحن الوقت إذاً لاختبار طريقة أخرى، طريقة تضع التنمية والدمقرطة على رأس قائمة أولوياتنا الوطنية؟

لكن طرحي هنا، وفي هذه الوقت بالذات، وفي تركيزه على الجانب "الأضعف" من المعادلة، مما يجعله يبدو وكأنه يبرّر أو يتجاهل السياسات والممارسات الحالية لإدارة بوش وللحكومة الإسرائيلية، لا بد وأن يلاقي معارضة، خاصة من تلك القطاعات التي تفضّل الإبقاء على الوضع الراهن رغم كلّ مساوئه الظاهرة منها والمخفية، خشية عدم جاهزية البلد والشعب للتغيير في هذه المرحلة، سيما إذا كان التغيير من الخارج. لكني أرى أن انتظار وترقّب "الفرصة المناسبة" في هذا الصدد هو دخول في دوامة العبث، لأن الأزمات الداخلية والخارجية لن تنتهي ويمكن لها أن تستخدم في أي وقت كذريعة لتأخير الإصلاحات، وهذا ما حصل فعلاً خلال الخمس أو ستة عقود الماضية.ـ

علاوة على ذلك، لا بد لمعظم حوافز الإصلاح أن تكون على صلة مع العالم الخارجي، لأن الخارج والداخل باتا على درجة من التشابك يصعب تجاوزها. وفي الواقع، لا تزال الأنظمة والقوى القومية والإسلامية أكثر استفادة من الدعم الخارجي من جميع الممثلين الديمقراطيين والليبراليين مجتمعين. ومعظم المجموعات الإسلامية والقومية تموّل من الخارج عموماً (إلا في الخليج، حيث تموّل كما يبدو من قبل عناصر متمردة في تلك الدول)، ولا تزال معظم الأنظمة، بما فيها النظام السوري، تحظى بدعم ومساندة قوى خارجية. لكن الليبراليين هم الوحيدون الذين يُنتقدون بقسوة عندما يعملون لتعزيز دورهم، الذي يزداد ضعفاً في هذه المرحلة، من خلال البحث عن المساعدة والعون الخارجيين. يحيا العدل.ـ

وفي هذه الأثناء، يتمسّك جميع المنخرطين في المشهد السياسي في المنطقة ببنادقهم في لعبة التحميل المتبادل للمسؤولية والاتهامات المتبادلة، لعبة صاخبة وعدائية وعدوانية دوماً. والكلّ يعتقد أن موقفه مبرر وتحفّزه المثل والنوايا الطيبة. وكلّنا متأكد من قدرته على تقديم المطلوب في هذه المرحلة وعلى رؤية ما لا يراه الطرف الآخر. ورغم أننا جميعاً نتحدث عن التسويات والحوار، لم يقدم أحد منا أية تسويات أو تنازلات حقيقية. والشيء الوحيد الذي تغيّر في سياسة حوار الطرشان القائم بيننا هو أن الناس أخذوا يتبنّون أكثر فأكثر اللهجة التحذيرية، وربما يسعني القول هنا، إكراماً لنرجسيتي على الأقل، لهجتي التحذيرية. لأنني أنذر ومنذ سنوات بكارثة إقليمية وشيكة وواسعة النطاق. وقريباً جداً، سنجد أنفسنا، نحن، آخر من تبقى من النخبة التكنوقراطية والمهنية والمثقّفة التي مايزال لديها بعض الروابط الإقليمية والعالمية، في جهات مختلفة للانقسام الكبير الجديد، نكافح، هذا إذا لم نكن نتبادل إطلاق النار ضد بعضنا البعض، وذلك، على الرغم من كلّ التشابهات في مثلنا وجميع النوايا الطيبة التي لطالما أضمرناها. نعم، هذه هي الطبيعة البشرية في أحسن تجلياتها. وهذا ما يحصل عندما نتجمع خلف القتلة والدجالين، ونحن نعرف بالضبط من هم وماذا فعلوا ويفعلون، متحجّجين بمفاهيم مثل المصلحة الوطنية، والسياسة الواقعية و"عش ودع غيرك يعيش (أو يموت، إذا لزم الأمر)" و "لا تثر المشاكل". ـ

ولكننا، في الحقيقة، لم نملك الشجاعة والرؤية للمقاومة عندما كان يمكن أن يكون للمقاومة معنى وجدوى، لأنها كانت ستتطلّب الكثير الكثير من التضحيات والكثير من الصبر. ولم نتمكن من التجمع خلف شخصيات من أبناء جلدتنا وأن نختار من بينهم قادة جدد أكثر جدارة، بسبب تخوفنا من بعضنا والبعض واستهانتنا ببعضنا البعض، وبسبب أنياتنا المتصارعة. وفي الحقيقة، لقد حظينا بفرصتنا، التي جائتنا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، إذ كان لدينا نافذة أمل، استمرت نحو 15 سنة في ما يتعلق ببعض القضايا، لاتخاذ مبادرة ما ولتمهيد الطريق لتغيير من الداخل، ولكننا تلكأنا وأضعناها.ـ


أجل أنا أعرف أن الأمور ليست بهذه السهولة والبساطة. ولكن هل يفترض بها أن تكون؟ هل من المفترض بالتحديات التاريخية الوجودية أن تكون سهلة وبسيطة؟ وهل سبق لها أن كانت كذلك؟

الحقائق مشوّشة دوماً، ومن الصعوبة بمكان أن نواجهها ونصنع التغيير ونعثر على القادة الصالحين. وفي الحقيقة، لن يظهر القادة الصالحون إلا أثناء عملية التغيير نفسها. فالقادة الصالحون لا يطلقوا العمليات التغييرية بأنفسهم، كما يخال لنا غالباً، بل هم نتاج لها، ويظهروا أثنائها حدوثها. ـ

والآن أكثر من أي وقت مضى، يبدو لزاماً علينا أن نتصدّى للوضع الحالي ونقوم بتغييره، حتى لو كان الثمن عدم الاستقرار، وحتى لو وجدنا أنفسنا في مواجهة كل أنواع أسلحة الحرب، البلاغية والفعلية، فالتغيير هو أملنا الوحيد. أم، هل هو غروري وحمقي اللذان يتكلّمان هنا؟

أعترف، أنا لم أقرأ هيرمان هيسه منذ فترة، ولكنني أعتقد أن لديه ما يقوله حول هذا الضرب من الأزمات الوجودية.ـ

وفي هذه الأثناء، تشكّل ألعاب تحميل المسؤولية وتبادل الاتهامات المضادة بين الناس الذين كانوا على الدوام أضعف من أن يؤثّروا فعلياً على الأوضاع، بصرف النظر عن مدى إجلالهم وتقديرهم لأنفسهم، جزءاً رئيسياً من تلك التمثيلية التراجيدية الصغيرة التي تتكشّف حولنا.ـ