.comment-link {margin-left:.6em;}

Sunday, October 08, 2006

نحن البرابرة


عن أمارجي

هل تحول فجأة جميع القادة الدينيون والسياسيون في ما يسمى العالم الإسلامي، إلى أميين؟ أم أنهم يتقصدون استخدام كل فرصة سانحة لكي يثبتوا بالفعل ما لا ينفكوا ينكرونه بالكلام، أقصد: أن يثبتوا أن الحضارة والثقافة الإسلاميتين في عداد الأموات، وأن المسلمين مصرون على مواصلة سقوطهم الحر باتجاه البربرية؟

لم يكتب البابا بنديكت السادس عشر دراسة مطولة ضد الإسلام، بل قدم محاضرة موجزة، لا يتجاوز عدد كلمات نصها 3500 كلمة، أشار فيها إلى الإسلام مرتين فقط، في بداية المحاضرة وفي نهايتها. وكل من كلف نفسه عناء قراءة كامل النص، اكتشف ولا بد أن الإشارتين المذكورتين لم يكونا في إطار إدانة لاهوتية ما للإسلام نفسه، بل للظروف التي أحاطت بولادته التاريخية، هذه الظروف التي تطرح بالفعل أسئلة هامة عن العلاقة بين الإيمان والعنف.ـ

إن البابا، في إثارته هذه القضية، لا يظهر أي علامة من علامات الجهل بالإسلام، كما أصر الكورس الأول من المنتقدين، على العكس، فالبابا يعرف تماماً الآية القرآنية التي يكثر الاستشهاد بها: "لا إكراه في الدين". ولكنه يدرك أيضاً أن هذه الآية نزلت حين كان "محمد لا يزال بلا سلطة ولا يشكل تهديداً"، وأنه حين قويت شوكة محمد فيما بعد، نزلت تعاليم جديدة في القرآن تتعلق بفرض الجهاد. كما كان البابا يدرك التعامل المختلف في هذا الخصوص تجاه "أهل الكتاب" و"الكفار". ولكن هذا، حسب البابا، لا يبرّر لمحمد "نشر الإيمان الذي يدعو إليه بالسيف"، حسب تعبير الامبراطور البيزنطي مانويل الثاني، الذي استشهد به البابا.ـ

في الوقت الذي تستمر فيه ممارسة العنف باسم الإسلام، وفي الوقت الذي يقصر فيه الفقهاء المسلمون في رفع صوتهم بوضوح ضد هذا الميل، فإن طرح هذه القضية مشروع تماماً، ولاسيما في سياق دعوة البابا مؤخراً لإجراء حوار بين الثقافات ولقبول أهمية الإيمان، بكل تلاوينه، في العالم المعاصر. إن مهاجمة الشخص الذي طرح هذه القضية، يعني ببساطة أن المسلمين في كل أرجاء العالم غير مستعدين للحوار.ـ

إذا كان الشيء الوحيد الذي يمكن للمسلمين فعله في هذه المرحلة هو اللجوء إلى العنف والاحتجاج كلّما تعرضت عقيدتهم للنقد، سواء من قبل شخصيات محلية أو من قبل إصلاحيين أو مثقفين أجانب، فما هو الدور أو المكانة التي يرسمونها لأنفسهم في العالم؟

لماذا لا يتبنى المسلمون مقاربة فاعلة لهذه المسائل، بأن ينظموا لقاءاً دورياً ما تتم فيه مناقشة بعض القضايا الإشكالية، مثل الجهاد والإرتداد وحرية الضمير والحرية الأكاديمية والعلاقة بين الإسلام والدولة، لكي لا نذكر القضايا الإشكالية العريقة مثل العلاقة بين الجنسين وقضايا الجنس، ويتم فيه إعادة تحديد موقف المسلمين من هذه القضايا على نحو مستمر؟

حقاً، سيكون هناك الكثير من الأصوات المعارضة، ولكن إذا اجتمع عدد من العلماء المشهود لهم واقترحوا وثيقة يمكن أن تستخدم كإطار مرجعي من قبل الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، فسيكون حال المسلمين في كل العالم أفضل لتقديم أنفسهم كشركاء حقيقيين في صناعة الحضارة المعاصرة، بدل أن يكونوا بقايا وعوائق مثيرة للمتاعب.ـ

لا يمكننا أن نستمر في منح نفسنا الحق في نقد الآخرين لما فعلوه وما يفعلوه بنا، دون أن نمنحهم الحق أيضاً في نقدنا لما فعلناه ونفعله بهم. هذه إحدى مبادئ التعاليم التي يشترك بها المسيحيون والمسلمون، وهي ملائمة تماماً لهذه الحالة. ولكن إذا واصلنا إغماض العين عن حقائق تاريخنا وعن أثره، الحقيقي أو الموهوم، على الآخرين، فلن يكون لنا الحق الأخلاقي في عرض المظالم المرتكبة بحقنا في هذه المرحلة.ـ

منذ وقت قريب ثارت حفيظة المسلمين عندما اعتذر الفاتيكان لليهود عن الطريقة التي عاملتهم بها الكنيسة عبر التاريخ. وقام المسلمون على الفور بمطالبة الفاتيكان بتقديم اعتذار مشابه لهم عن الحملات الصليبية. بهذه البساطة أراد القادة والفقهاء المسلمون نسيان احتلالهم لأراضي كنسية وأسلمتها. ولم ير الكثيرون منهم، ولا يزالون لا يرون، رغم كل محاولات الشرح، التناقض والسخرية المتضمنة في موقفهم هذا.ـ

إلى هذا الحد تبلغ قناعتنا بصواب مواقفنا بحيث أننا لا ندع مجالاً لأي شك ممكن لأن يتسلل إلى أذهاننا وأرواحنا ويطال الطبيعة المقدسة لتاريخنا ومعتقداتنا. إنا لا نراجع أي شيء، ولا نعيد النظر بأي شيء. يبدو أن كل الدراسات الفكرية عندنا توقفت منذ ألف عام. والمحاولات المتقطعة الهادفة إلى إحيائها طوال القرن الماضي انتهت بالإخفاق التام. والمحاولات التي تتم اليوم أكثر خيبة من سابقاتها. ولا نجد لدى التيارات الإسلامية القائمة اليوم أيّ مكون فكري أو دراسة فكرية في صميمها، بل مجرد تأكيدات، غالباً ما يعبر عنها بالسلب، ويتم تقديمها في أغلب الأحيان على شكل تعداد نقطي.ـ

أما بالنسبة للتيارات العلمانية عندنا، فهي بالفعل نتاج صاف للإيديولوجيات الغربية، ولم يتم حتى الآن تقديم محاولة جادة واحدة لشرح هذه التيارات في سياق التجربة التاريخية الإسلامية. وقد يكون مثل هذا المشروع مستحيلاً في هذه المرحلة، نظراً إلى سعة الهوة بين هذه التيارات وبين التقليد الإسلامي. ولكن قد لا يكون من الضروري ربط هذه الأفكار والإيديولوجيات بالتقليد الإسلامي. ربما ما نحتاجه هو فقط تطوير هذه الأفكار وفق منطقنا الفريد، وعلى أساس تجاربنا التاريخية والحاضرة.ـ

ولعل كل ما نريده هو أن نتعلم كيف نفكر من جديد، من نقطة الصفر، لأنه في بعض الحالات، ولاسيما عندما لا يكون تعاملنا مع علوم رياضية، نحتاج بالفعل إلى إعادة اختراع الدولاب لكي نقدر قيمته أكثر.ـ

لذلك، ربما كان الأولى أن يقوم المثقفون الليبراليون بتنظيم اللقاء الذي اقترحته آنفاً، بالتعاون مع الفقهاء المسلمين مثل جمال البنا، الذين أبدوا شجاعة كافية وإبداعاً ومجازفةً في أن يصبحوا شركاء حقيقيين في عملية جديدة تهدف في النهاية إلى إدخالنا في العصر الحديث.ـ

لا يسعنا أن نصمت أكثر من ذلك. صحيح أن احتجاجاتنا قد جعلت البابا يعتذر ويسحب ما قاله، وقبل ذلك، استطعنا أن نعاقب الدنماركيين على رسوم الكاريكاتور المثيرة للخلاف، ولكن ليس مرد ذلك إلى أننا نجحنا في جعل آرائنا مفهومة أو مقدرة أكثر، بل لأننا تمكنا من إرهاب العالم. لقد بتنا برابرة العالم المعاصر. الناس يخافوننا ولكنهم لا يحترموننا ولا يقدرون مشروعية الكثير من المظالم التي نعيشها، مهما يكن حجم الرعب الذي ننشره في العالم.ـ

أكثر من ذلك، سوف تتخذ الشعوب المتحضرة من بربريتنا المزيد من الذرائع للتدخل في حياتنا، ولتجاهل حاجاتنا ومطالبنا العادلة ولفرض إرادتهم علينا. فكما أظهر التاريخ، حين يفشل البرابرة في تدمير الحضارات، إما لأنهم ليسوا أقوياء بما يكفي أو لأن الحضارة ليست ضعيفة بعد بما يكفي لذلك، كما هو الحال في وضعنا اليوم، فإنهم يتحولون إلى ضحايا نهائيين لا يثيرون التعاطف. الواقع أننا سندفع ثمناً باهظاً لقاء الكبرياء الحمقاء التي نواصل رعايتها في أذهاننا، لأنه لم يعد لدينا ما يسند هذه الكبرياء.ـ

تعليقات

عشتار قال...ـ

يسعدني أنك تطرح هذا الموضوع عمار، كنت بعيداً عن الأخبار الأسبوع الماضي وحين عدت وجدت العالم وقد انقلب رأساً على عقب!ـ

علي أن أقول إن رجلاً بمنزلة البابا يجب أن يكون أكثر حرصاً في تصريحاته ولاسيما في ظل الوضع الحساس الحالي بين الشرق والغرب.ـ

ولكن كنت أقرأ كلمته وأعتقد أن هناك نوع من سوء الفهم، فهو اكتفى بنقل حوار بين إمبراطور بيزنطي، كانت إمبراطوريته تحت التهديد العثماني، وبين مسلم فارسي متعلم، حيث حاول الامبراطور شرح الأسباب التي تدعم القول إن من غير المنطقي نشر الإيمان بالقوة. وتعليقاً على هذا الحوار يقول البابا:ـ

"أود في هذه المحاضرة أن أتناول نقطة واحدة فقط – وهي هامشية نوعاً ما بالنسبة للحوار نفسه – في سياق قضية "الإيمان والعقل".ـ

وخلال مناقشته يقتطف الآية التي تقول "لا إكراه في الدين".ـ

في الحقيقة فوجئت وسعدت حين وجدت البابا يناقش في حديثه علاقة الإنسان بالله، ما إذا كان الله متعال بالمطلق أو أن إرادته يجب أن تفسر بالعقل الممنوح لنا.ـ

ربما من الممكن تفسير كلامه بطرق عديدة، ولكن إذا عزلناه عن سياقه، فإن اللغة الوحيدة التي تبقى هي لغة العنف، ولا يبقى أمامنا إلا المظاهرات العنيفة وحرق الأعلام والسيارات والكنائس، والتهديد بحرق روما وتفجير عاواصم الغرب..حتى أن بعض "مثقفينا" اندفع للحديث عن حرب دينية!!ـ

نرى الناس يقتلون يومياً في العراق باسم الإسلام، ونرى النساء ترجمن حتى الموت باسم الإسلام، الأسبوع الماضي فقط قام بعض المتعصبين بقطع رأس صحفي سوداني باسم الإسلام ولم يحرك أحد ساكناً، لا نظام ولاشعب ولا حتى مثقفون وقفوا في وجه من يشوه صورة الإسلام..ثم كيف نتوقع من العالم أن يكون حريصاً وإيجابياً تجاه صورتنا التي ندمرها نحن بأيدينا؟

(ملاحظة أنا لست مسلمة ولكن أقول نحن لأنني أنتمي إلى هذا الشعب بصرف النظر عن الدين)

عمار قال...ـ

بالفعل، وكما قال كورت، كان البابا يعلم تماماً ما يفعل. فقد أراد أن يلقي تحدياً وسط نخبة المسلمين ليولد حواراً حول قضية الإكراه بالدين والحوار بين الثقافات. لاحظ هنا أنه لم يستخدم كلمة حوار بين الأديان، فيما يبدو أنه ميل لمشاركة العناصر العلمانية أيضاً في هذا الحوار. إنه في الحقيقة حديث ذكي جداً، وقد فات مقصده الحقيقي الكثيرين، وهذا برأيي، دليل حقيقي على غياب الجاهزية العالمية للشروع بحوار جاد كهذا عن العلاقة بين العقل والإيمان، وعلى ضرورة إجراء حوار جاد بين الثقافات، وليس فقط الاكتفاء بالكلام دون الفعل.ـ

في مثل هذه الدعوات يكون موقع الداعي له أهمية، لم يحاول البابا أن يلعب دور شخصية حيادية، فهو صاحب رأي، وقد عبر عن رأيه بصوت عال، إن الطبيعة العنفية للإسلام، أو ميله الجهادي، مصدر قلق كبير له، وأن هذا الميل يترك أثره سلباً على تاريخ الإيمان، إن لم يكن على الإيمان نفسه، ولاسيما في هذا الوقت الذي يبدو أن العقائد الأخرى، ولاسيما المسيحية، قد تجاوزت إلى حد بعيد (رغم أن هناك حاجة للمزيد من العمل في هذا الاتجاه) الحماس المسيحي السابق والعنف المرافق له. يبدو أن البابا يدعو المسلمين للشروع بمراجعة شبيهة لإيمانهم وتاريخ هذا الإيمان، ولاتخاذ موقف أكثر وضوحاً من قضية الإيمان بالقوة. ويأتي هذا الكلام في الوقت الذي ترتكب فيه يومياً الكثير من أعمال العنف باسم الإسلام. من المشروع تماماً طرح هذه القضية. إن طبيعة ردة فعل المسلمين في هذا المجال تؤكد على مشروعية هذا الموقف.ـ