.comment-link {margin-left:.6em;}

Thursday, October 05, 2006

عن الضرورات التاريخية والرغبات المتصارعة

عن أمارجي

ربما كان المرور في مرحلة انتقالية من الاستبداد المتنور جزء ضروري وحتى طبيعي من الثورة الاجتماعية لشعب لم يسمع شيئاً عن الديموقراطية.ـ

أما بالنسبة لشعب عرف الديموقراطية، كي لا نذكر الحداثة، وبصرف النظر عما إذا كان عرفها بشكل غير مباشر أو بالنيابة، وبالنسبة لشعب عاش الديموقراطية بتجاربه المباشرة، حتى إذا كان لا يقدر تماماً تعقيدها وما تتطلب منه، فإن مهمة إنجاز الديموقراطية عبر مرحلة ضرورية من التحويلات ذات الطابع الديكتاتوري، تصبح أكثر تعقيداً.ـ

إن من يطمح إلى الديموقراطية لا يود الانتظار أجيالاً لبناء الإطار الثقافي الضروري لها، ومن يخشاها لا يود تأسيس أي إطار أو إصلاحات ضرورية لإرسائها. كما أن من يريد الحداثة لا يود الانتظار إلى أن يتعلم المجتمع تقييم الحداثة ديموقراطياً وفق وتيرته وشروطه، ومن لا يريد الحداثة يقاومها على مستوى شعبي وهؤلاء غالباً ما يتمتعون بتعاطف وقبول شعبي أكبر.ـ

فهل يمكننا حقاً أن نحقق الحداثة والدمقرطة في سياق متزامن يمكن أن يصل إلى مستوى إنجاز مقبول خلال فترة حياة واحدة لإرضاء جميع الأرواح التائقة هناك؟ـ

لقد توفر لدى الغرب على مدى عقود وقرون ترف التجريب والتعثر، وإن كان ليس بشكل أعمى، إلى أن توصل إلى الديموقراطية ووجد نفسه غارقاً في الحداثة. ولم يحدث كل ذلك بسلاسة وعلى خط مستقيم. وليس أمامنا من خيار آخر سوى اتباع الطريق الوعر نفسه. ولكن سيضيع بعضنا في توقهم إلى إنجاز كل شيء بسرعة، لأنهم لا يستطيعون تجاهل المنتج الجاهز الذي يمكنهم رؤيته بالعين المجردة، ويصرون على إعادة ابتكار الدولاب من البداية في حين أن الدولاب مبتكر ومعروض للجميع. كما يرون أن من المستحيل وغير الطبيعي أن ينتظرنا العالم حتى نلحق بالركب وفق وتيرة خطانا وشروطنا.ـ

لا، لن ينتظرنا العالم حتى نتعلم ونهضم حقائقه العزيزة الجديدة وفق وتيرتنا الخاصة، تماماً كما لم ننتظره أن يفعل ذلك مع حقائقنا في غابر الزمن. لا وجود هنا لحقد أو لنكاية أو مكيدة، على الأقل لا يوجد شيء من هذا واع لذاته طوال الوقت وواع لكل نتائج القرارات الرهيبة المختلفة التي تصنع باسم التقدم والضرورة التاريخية والطمع الصريع والتي هي جزء لا يتجزأ منها. الموضوع هنا هو موضوع حماقة محضة تنبثق من إنسانيتنا الخاصة ومن المؤسسات والبنى نفسها التي تعطي حياتنا معنى وتعطينا شعوراً بالانتماء.ـ

إننا، نحن سكان هذه الأرض الحساسيين، شرذمة يائسة وعنيدة بالفعل، شرذمة مثيرة للشفقة، شرذمة تطمح إلى أكثر مما تستطيع أن تحقّق. مصالحنا وأشواقنا ومعتقداتنا وحاجاتنا ورغباتنا ستتصارع إلى الأبد، وسيسحق بعضنا بعضاً دائماً، بقصد وبلا قصد، حين تمسنا الحاجة، ضاربين بعرض الحائط بكل مبادئنا وإحساسنا الإنساني.ـ

بالمحصلة لم يتوصل الغرب إلى ترف حداثته وديموقراطيته بسلاسة. وكذلك نحن لن نتوصل إليهما بسلاسة. بل إن التدخل الخارجي الذي علينا تحمل عبئه أكبر بكثير مما توجب على الغرب احتماله من حيث الكم ومن حيث النوع. كما أن مجال هذه التدخلات جميعاً قاس ويثير الجنون.ـ

ويبدو أننا نحن، شعوب هذه المنطقة البائسة، محكومون بمصير شبيه بمصير الأمريكيين الأصليين – الأرجح أنه في الوقت الذي ندخل فيه حقاً عصر الحداثة والديموقراطية نكون قد انقرضنا، أردنا أم لم نرد.ـ

الواقع أن معظمنا لا يريد ذلك، ويبدو أننا لذلك نقاتل ونناضل. وهذا هو جوهر الإرهاب العالمي، لاسيما الإسلامي منه. إننا من جون شكّ، وبالمعنى الثقافي، سنقتفي في خاتم المطاف، رغم الإرهاب، أثر حضارتنا البائدة. ولن يكون ذلك سلساً. فالموت يترافق عادة بالآلام حتى ولو كان جماعياً، لا، لاسيما حين يكون جماعياً.ـ

معظمنا شديد التمسك بالطرق القديمة ولا يقبل زوالها بيسر. إذ ليس لدى الناس الوقت الكافي لرؤية الحكمة من التغيير أو لتقدير ضرورته ومنافعه المحتملة، أو للمشاركة فيه بشكل يمكنهم من الشعور بأنهم غير غرباء عنه. ولن يتاح لهم ذلك. وحتى لو أتيح، فإن هناك من سيبقى يحمل الألم والإحباط تجاه عالم لا يقل عداوة. فمنظومة إيمانهم هي التي على المحك، وهم أنفسهم، وأسباب عيشهم التقليدية، أيضاً، إذ لم يعد العالم يستطيع أن يقبلها، ولا يستطيع أن يقبل خصائص رغباتهم الأساسية ومطالبهم وحاجاتهم، بالمعنى العملي. في المنطلقات النظرية تبقى التسوية ممكنة دائماً تقريباً. ولكن، في الممارسة، يبدو أننا كبشر أنقص من نسمح بتحقيقها.ـ

وهكذا، سنتغير فعلاً مع مرور الوقت، وسيتم تغييرنا أيضاً. والواقع أن عملية تغيرنا وتغييرنا جارية، وإن كان البعض يتغير بوتيرة أسرع من البقية. بعضنا سيشهد هذا وينجو، وإن يكن هذا البعض ليس هو الأفضل دائماً. ولكن معظمنا، رغم أنه ليس الأسوأ دائماً، سيموت، على الأقل بالمعنى الثقافي.ـ

قد يظل الباقون يسمون أنفسهم عرباً ومسلمين وأكراد..الخ، ولكن الشيء الوحيد العربي أو المسلم أو الكردي فيهم سيكون زعمهم بذلك، وربما لغتهم. سيكون ذلك كافياً معظم الوقت، إلا حين يطفو الحنين الدفين ويستثار، ربما لرؤية الآثارالمتبقية أو حفنة الممانعين الباقين على قيد الحياة والذين قد يميلون عندها إلى شكل أهدأ من التمرد.ـ

فكرة لاحقة

هل يظن أحد أن المستبدين العادلين في الغرب كانوا سيقدمون على أي إصلاح، لو علموا أن من شأنه في النهاية أن يدمر كل النظام الذي بنوه أو ورثوه، وأن يغير كل طريقة الحياة التي اعتادوا عليها والتي ربما، يبجلونها؟ـ

اعتقد أن الاختلافات الرئيسية بين المستبدين العادلين في الغرب وبين المستبدين الحاليين في الشرق الأوسط تكمن في حقيقة أن قادة الشرق الأوسط يعلمون جيداً إلى أين تقود الإصلاحات في النهاية، ولهذا لايمكنهم أن يكونوا عادلين أبداً.ـ


تعليقات

أليكس قال...ـ

عندي تعليق على "الفكرة اللاحقة" لعمار.ـ

إذا لم يكن بوسعك إسقاط ديكتاتور، ربما كان بمقدورك التوصل إلى تفاهم معه بأن الإصلاح لن يقود إلى إقصائه في الحال. وحين تؤجل "النهاية"، يصبح من السهل هضمها.ـ

مثلاً، قال أحد قادة الشرق الأوسط هؤلاء إنه يود مغادرة الحكم في غضون 7-14 سنة (اعتماداً على بعض العوامل).ـ

إذا تمكن قادة المعارضة من القبول بوتيرة إصلاح بطيئة، يمكن عندها أن تتوفر فرصة أفضل "لإقناع" الحاكم وغيره من المستفيدين من الوضع القائم، بعدم مقاومة الإصلاحات. ـ

المشكلة أنه حين يتم رفع القيد عن حرية التعبير، يبدأ المعارضون حالاً بتصعيد مطالبهم بإصلاحات واسعة وسريعة. وهذا لايشجع الحكام الحاليين على فتح الباب ولو جزئياً. ـ

عمار قال...ـ

فعلاً أليكس، شعبنا كان دائماً غير منطقي في مطالبته بالعدالة والحرية، فما الذي يفعله ديكتاتورنا المسكين؟ وكلما ضغط الديكتاتوريون أكثر، كلما ازدادات "لا منطقية" المطالبة بالحرية. المسؤولية برأيي هي على عاتق الديكتاتور، عليه أن يحاول القيام بشيء منطقي ومعقول ونزيه، بصرف النظر عما يبدو من تناقض في هذا القول. ـ

ولكن المشكلة الآن لا تكمن هنا، المشكلة هي في الإصلاحيين الذين يتوقعون أن يأتي التغيير من الديكتاتور. إن المطالب الحقيقية والحوار الحقيقي والجهود الحقيقية يجب أن تنصب على الشعب. فبقدر ما يلتزم الإصلاحيون بالشعب، بقدر ما يمكنهم الضغط بمطالبهم من أجل الحرية والعدالة، مهما بدوا غير منطقيين في عيون الديكتاتوريين.ـ

المشكلة مع إصلاحيينا أنهم يتوقعون التغيير من القمة، من القمة الفاسدة ذاتها، لأنهم يريدون أن يتخلوا عن واجبهم في تنوير الجماهير. أنا أفهم هذا، فإصلاحيونا الذين يميلون إلى العلمانية في معظمهم، يدركون أن رصيدهم الجماهيري محدود، ولاسيما حين تكون آراؤهم الاجتماعية والدينية معروفة. ـ

ولكن لا مناص، نحن بحاجة إلى إيجاد سبيل للتواصل مع الناس وكسب أنصار وتجاوز لا مبالاتنا تجاه هذه المشكلة، وتجاه قمع الحكومة وتجاه كل العوائق اللامعقولة التي تقف في طريقنا. إن كوننا متهورين بما يكفي لنكون متفائلين، على الأقل على المدى البعيد، حتى ولو كان كل ما حولك يدعوك للاستسلام، يلزمنا بأن نكون على القدر نفسه مصابين بنزعة الخلاص والتخليص، تماماً كأي متطرف ديني، لكن مع تجنب طرقه الخاصة في في تحقيق غاياته. ذلك أن الفرق الحقيقي، ولا يهم كم نحب أن نعتبر أنفسنا عقلانيين، بين المتطرف العلماني والمتطرف الديني يكمن، أو يجب أن يكمن، في طبيعة أعمالنا ووسائلنا، وليس في حصة أفكارنا من العقلانية. ـ

ولهذا بدوت في مقالي متشائماً على المدى القريب، ومتفائلاً على المستوى البعيد، لأنني ببساطة لا أريد أن أفقد الأمل وأدير ظهري على إمكانية تغيير في المنطقة، وأقبل بأن حكماً دينياً ظلامياً من نوع ما سيحل في النهاية بصرف النظر عما نفعل، رغم أن هناك مما يبرر هذا الرأي التعيس أكثر مما يبرر تفاؤلي أنا. ـ

ولكن أود أن أقول هنا إن الديموقراطيات الغربية هي أيضاً تطورت وتوضعت في بيئة قمعية وغير مناسبة. البيئة التي نتعامل معها أشد قسوة، والتحديات التي نواجهها أصعب، والوقت ضاغط وخطا التغيير لا تهدأ ولا ترحم، ولكن ربما ليس علينا إلا أن نفاجئ أنفسنا وننجح. حسناً، إننا لن نعرف حتى نجرب، فهل نفعل؟ـ

غسان كرم قال...ـ

عمار،ـ

أول ردة فعل لي كانت أن أشير إلى الكثير من التفاصيل التي وردت في مقالك والتي لا أوافقك عليها، وأرى أيضاً أن قراءتك للسجل التاريخي على مدى بضعة القرون الأخيرة عموماً ولكن على مدى السنوات الخمسين المنصرمة بوجه خاص، ليست دقيقة تماماً. لكني قررت بعدئذ أن هذه الخلافات ليست أساسية لا بالنسبة لموقفك ولا لموقفي لأننا نتفق تماماً على النتيجة.ـ

هناك سؤال طرحته في لقاءاتي العامة على كل أنواع الحضور حيثما تطرح مواضيع العولمة أو الإسلام السياسي أو الكوسموبوليتية. هل هناك من يعتقد حقاً أنه في غضون 30-50 سنة من الآن سيحكم العالم من قبل جماعات من نوع القاعدة أو طالبان أو حماس، أم من قبل أنظمة أكثر عقلانية وديموقراطية في عالم تصبح فيه الحدود السياسي أقل أهمية وتكون الغلبة فيه للتنوع. لم أحصل على صوت واحد لصالح الحركة الرجعية. نعم عمار، علينا أن نتغير مع الوقت ومن يتمسك بالماضي والقبلية لن يستطيع التصالح مع أحاسيس الأزمنة الحديثة. سيتم التخلص منهم.ـ


سوري في الشرق الأقصى قال...ـ

السيد عمار،ـ

أنت ككل مثقف في هذه المنطقة، تستند في تحليلك إلى رأي سخيف مؤداه أن هذا العالم لا يتألف سوى من الغرب والشرق المسلم العربي.ـ

متى سيدرك الناس أن في شرق آسيا عالم كامل يبلغ عدد سكانه ثلاثة أرباع عدد سكان العالم وله خصائصة وعلينا، على الأقل، أن نأخذه في الحسبان عندما نقارن التجارب؟ـ

لماذا لا نرى دائماً سوى الغرب ونحن؟ بعد بضعة سنوات لن نشكل نحن والغرب سوى نصف العالم، ولا نزال عن قصد نهمل دروس وتجارب هامة يمكن تعلمها من عمالقة مثل الهند أو الصين أو إندونيسيا أو كوريا..الخ.ـ

كل كلامك عن التحولات الديموقراطية يبدو خارج السياق تماماً إذا أردت تطبيقه على السبيل الذي اتبعته الهند أو كوريا أو اليابان إلى الديموقراطية. لماذا ننظر أو حتى نفكر بطريقة تحقيق الديموقراطية في فرنسا منذ 400 سنة ونعمى تماماً عن السبيل الذي حققت به اليابان أو الهند ديموقراطيتها منذ 50 سنة أو كوريا منذ أقل من 20 سنة؟ـ

عمار قال...ـ

فكرة جيدة أيها السوري في الشرق الأقصى، لكن كان من الأفضل لو بينت لنا كيف يمكن للتفكير في التجارب الحديثة في جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا وشرق آسيا أن يغير في الدراسة المذكورة آنفاً، على عموميتها.ـ

فيليب1 قال...ـ

قال أحدهم "الشرق مستبد من آلاف السنين". هذا صحيح، ولكن لا أوافق على أنه "سيبقى هكذا". كان التغير بطيئاً في كل مكان حتى الثورة الصناعية. بعدئذ تسارعت وتيرة التغيير. انتشر التغيير من أوربا إلى بقية العالم ولاسيما منذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 1948 ونهاية الحقبة الاستعمارية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي. اليوم العالم يصبح أصغر وأسرع وتنتشر الأفكار بلا حدود. ـ

يمكن أن يشكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أساساً متيناً (وأؤكد على كلمة أساس) لأي نظام سياسي. يمكننا أن نكون جميعاً كلبيين في نظرتنا إلى السياسيين وإلى الحقائق السياسية ولكن دعونا نقول إن الأمم الغربية كانت من بين أولى الأمم التي التزمت بروح الإعلان. تبعتها بلدان الشرق الأقصى وغيرها بوتيرتها الخاصة وبدرجات مختلفة من الصدق.ـ

لا حاجة إلى أن أقول أن كل شيء يبدأ من البيت ومن المدرسة. الأهل والأساتذة المتنورون يغرسون في الأولاد المبادئ والقيم السامية ويكونون قدوة لهم. يمكن أن يكون الدين والثقافة ضد القيم الليبرالية والعلمانية، ولكن يمكن أن يكون علم الاقتصاد والديموغرافيا مساند لهذه القيم؛ كلما قل عدد الأولاد وارتفع مستوى الدخل، كلما كانت سوية تعلم المرأة أعلى وكانت أقدر على غرس القيم الليبرالية في الأولاد وفي المجتمع عموماً. يجب أن لا يقلل أحد من قدرة المرأة على تغيير المجتمعات. ـ

لو كانت أمهاتنا جاهلات لما كنا نتحدث الآن عن القيم الليبرالية. لاحظ مدى تحرر المرأة اليابانية خلال السنوات الأربعين الماضية، ولاحظ نشاط المرأة الصينية اليوم. التحرر ليس بالضرورة مقياساً واضحاً للتقدم أو للسعادة، بل يساعد في كسر الجمود الاجتماعي. ما يحدث بعد ذلك يعتمد على طريقة تفاعل قادة المجتمع مع تغير فهم المرأة لدورها ولمصيرها. يمكنهم أن يشجعوها وأن يقودوها ويمكنهم أن يحقروها. قارن مثلاً موقف سوريا الاشتراكية البعثية في الستينات مع موقف العربية السعودية.ـ

من جهة ثانية، الناس الذين يستطيعون مغادرة بلدانهم المستبدة يغادرون. وفي الخارج يتشرب أبناؤهم قيماً مختلفة، أكثر ليبرالية عموماً. وعلى فرض أن هذه العائلات تحافظ على روابط مع أقاربها وأصدقئها في الوطن، فإنها بالتأكيد تؤثر على المواقف الاجتماعية وعلى سياسة بلدانهم. هذا بالفعل ما نقوم به بوعي أو بدون وعي، أليس كذلك؟ قد يكون التغير بطيء وغير ملحوظ ولكنه يحدث. وكما قال بشكل ما أليكس، إذا كنت لا تستطيع إسقاط المستبد، عليك أن تكون صبوراً معه. أقول يجب أن تكونوا مثابرين وأذكياء في طريقة ممارسة الضغط. لا تتنازلوا ولا تخففوا الضغط عليه وأنتم تعملون أقصى ما تستطيعون لكسب قلوب وعقول الشارع. لذلك أقول للعلمانيين الليبراليين إن العالم ومسيرة التاريخ في صالحنا (رغم النكسات الأخيرة). السؤال هو متى سيتم التغيير وليس هل سيتم، ولكن يمكن أن نكون راضين أو قليلي الثقة بأنفسنا.ـ

سوري في الشرق الأقصى قال...ـ

السيد عمار العزيز،ـ

قلت: " كان من الأفضل لو بينت لنا كيف يمكن للتفكير في التجارب الحديثة في جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا وشرق آسيا أن يغير في الدراسة المذكورة آنفاً".ـ

أولاً، لست متأكداً من أنني الشخص المناسب للقيام بهذه المهمة نظراً إلى أنني غير مختص وليس لدي الوقت لدراسة التحول الديموقراطي في البلدان الآسيوية. كنت آمل فقط أن يقوم أحد المثقفين السوريين الكثر المهتمين بهذه القضايا بدراسة هذه التجارب بدلاً من التركيز على النماذج الغربية فقط. ـ

ثانياً، قد لا يغير التفكير الذي تطالب به من تحليلك أبداً. بل لعله يعززه. أعترف أنني لم أفهم رأيك جيداً عندما كتبت تعليقي الأول! أنت تكتب بطريقة فلسفية نوعاً ما وبأسلوب شاعري ليس من السهل أن يفهمه شخص مثلي ذو عقل هندسي ولم يحصل على تعليمه في بيئة إنكليزية. حتى أن أحد أبناء اللغة الإنكليزية قال عندما قرأ كتابتك: إن لغتك الإنكليزية أعلى مستوى مما يتطلبه المقال السياسي! ربما هذا لأنك روائي في المقام الأول، أو ربما لأننا، لسوء الحظ، اعتدنا اللغة العادية.ـ

بعيداً عن المجاملات، أنا مدين لك باعتذار لأن القراءة الثانية لكتابتك أعطتني انطباعاً مختلفاً هذه المرة، وهي أنك تؤكد على الفكرة نفسها التي يمكن أن يخرج بها المرء من تجارب الأمم الآسيوية. والفكرة هي: "علينا أن نتخلى عن بعض معتقداتنا العزيزة (مثل الهوية العربية والإسلامية ورفض الحدود..الخ) إذا أردنا أن نكون أمة لها احترامها في هذا العالم.ـ

الآن، النقطة الثانية التي أود طرحها هي: إذا استطاعت الكثير من البلدان الآسيوية أن تتحول إلى الحداثة والديموقراطية بسلاسة وسرعة مع الحفاظ على ثقافتها وهويتها المميزة، إذن لماذا لا ينطبق الشيء نفسه علينا؟ لم يكن لديهم الكثير من الوقت والتجارب كما كان لدى الغرب، ومع ذلك نجحوا. لماذا لا نستطيع أن نقوم بالشيء نفسه؟ ما أعتقد أنني تعلمته من العيش في الشرق الأقصى: (لكن ثانية أنا غير واثق ما إذا كنت أكرر ما سبق لك قوله أو ما إذا كنت أعارض قولك!!)ـ

السبب الذي يمنعنا من التغيير هو فهمنا لما يجري على أنه حرب ثقافات. كانت بلدان آسيا تنظر إلى الغرب بنفس الطريقة: هم ونحن. وكان هناك فلاسفة (ولا يزال بعضهم) تحدثوا عن حرب الهوية والثقافة بين الغرب والدول الآسيوية. كل الدعاية اليابانية السابقة للحرب استندت إلى هذه الفكرة.ـ

ولم تتمكن هذه البلدان من استيعاب الحداثة والديموقراطية إلا عندما أدارت ظهرها إلى الهويات القومية ونظرت إلى القضايا على أنها مشكلة وجود بلد متخلف وليس ثقافة متخلفة. بكلام آخر، تحرروا من مشكلة ثقافتنا في وجه ثقافتهم، وواجهوا القضية الحقيقية: بلدنا واقتصادنا في وجه بلدهم واقتصادهم.ـ

إذن المشكلة الحقيقية كما أراها، هي أنه ليس لدينا بعد بلد بمعنى الهوية والانتماء الحقيقيين. هويتنا موزعة على طيف واسع من المعتقدات التي تبدأ من كوننا عرب ومسلمين، أو ببساطة مغايرين للآخر (الحالة التي يحدد الناس هويتهم فيها على أنهم ليسوا الآخر، الغرب في هذه الحالة).ـ

إذا قرأنا مقالك مثلاً، (أرجو أن لا تفهم أنني أقول هذا ما تعتقده أنت أو ما تحدده، أنا استشهد بهذا المقال كمثال فقط) لا يمكننا أن نعرف هل تتكلم عن باكستان أو عن السعودية أو عن مصر!! ما الذي يجعل كلامك سورياً (بصفتك مثقف سوري بارز)؟ لا شيء، لأن النحن التي تستخدمها ما تزال نحن ثقافية عامة، نحن العرب، المسلمين، الشرق أوسطيين، ولا صلة لها بسورية على نحو مميز. إن هذه النحن تعكس صراع الهويات الدائم في نفوسنا.ـ

أعتقد أننا متفقان حتى الآن. لكن ما لم أره في مقالك هو البديل. إذا كانت هذه الهويات ستنقرض ما الذي سيبقى منا؟ ما الذي تقدمه في المقابل؟ـ

ما علمته هو التالي: لكي نبدأ جدياً ببناء هويتنا الحقيقية كسوريين، سنضيع في معضلات انقراض الهوية والحروب الثقافية وكل المشاكل التي وصفتها جيداً في مقالك. ـ

المقارنة مع البلدان الآسيوية تظهر أن هذه المشاكل "تواجهها جماعات" وليس "أمم". يمكن أن تواجه هذه المشاكل مجموعة من المهاجرين المسلمين الذين يعيشون في الغرب ويجدون أنفسهم وسط أزمة هوية.
إذا أردنا التغلب على هذه المشاكل علينا أن نكف عن التفكير كمجموعة ضبابية التحديد (عرب، آسيويون، مسلمون) وأن نبدأ التفكير كأمة. ـ

لماذا على أمة قائمة بثقافة عمرها ستة آلاف سنة مثل سورية أن تعيش مشاكل انعدام الهوية والانقراض الثقافي؟ الجواب ببساطة لأنه لا يوجد أمة قائمة اسمها سورية. وذلك لأن السوريين لا يريدون الانتماء إلى هذه الأمة العظيمة ويصرون على التجول في صحارى الهويات التي ستقودنا إلى كارثة في أفضل حال، وفي أسوأ حال، سنعدم ثقافتنا كما توقعت ونضيع ونهزم.ـ

تناولت المثال الآسيوي لأشير إلى أن علينا أن نبدع هذه الهوية حتى لو قال البعض إن هذه الهوية لم توجد من قبل. وهذا الجهد يجب أن يبدأ من المثقفين الذين يجب أن يبدؤوا بتيار كامل من النزعة السورية. إذا تحدثنا عن المسلمين، نتحدث عن مسلمي سورية بوجه خاص، وإذا تحدثنا عن الأكراد، نتحدث عن أكراد سورية بوجه خاص. مشكلة أكراد العراق أو مسلمي الأردن ليست مشكلتنا، سيحلونها كما حل المسلمون في ماليزيا والأكراد في السويد مثلاً مشاكل التعارض بين هويتهم الدينية وهويتهم القومية. يجب أن نتجاوز كل الجدل ووجع الرأس عن العرب والمسلمين والشرق الأوسط ضد الغرب وأمريكا ونبدأ بتوجيه الجدال نحو بلدنا.ـ

يجب أن نتخلى عن أفكارالهوية التي يدافع عنها النظام السوري (لأسباب تتعلق ببقائه). من المحزن أن معظم العالم، وبسبب الجهل، يكرر على نحو أعمى الفكرة نفسها: جملة التجمعات الإسلامية والمغربية والباكستانية والسورية في أوربا دون أي اعتبار مهما يكن لتاريخها أو لمجتمعاتها المركبة. ـ

وهكذا باختصار، يبدو أننا نوافق على المشكلة، مع أني لا أعلم ما إذا كنت توافق على الحل الذي قدمته. وأنا متشوق لمعرفة رأيك بشأن ما يتوجب علينا فعله أمام أزمة النفي الثقافي التي تحدثت عنها في مقالك.ـ

كما علي أن أعترف أن الحل الذي قدمته معقول جزئياً فقط، وهو في غالبه حل عاطفي؛ أعتقد بثقة أن الطريقة الوحيدة لتعبئة الناس هي إعطاؤهم رؤية واضحة مثل الجنة في الإيديولوجيا الدينية أو الوحدة العربية في الإيديولوجيا القومية..الخ. يجب أن نبدأ بالترويج لهذه الرؤية بخصوص سورية المستقبل، الهوية السورية، وأن ندعو إلى أن من شأن هذا الإيمان أن يقود إلى أمة قوية حديثة ومتطورة مثل كوريا. المكافأة هي أن يكون هناك أمة تحترمك وتحميك بغض النظر عن أي انتماء فرعي آخر لك. المكافأة هي أن تكون فخوراً، ليس لأنك هزمت هذا أو ذاك في معركة صغيرة كما هو الحال اليوم، بل لأنك سوري.ـ

عندها فقط، وبشكل مشابه للأمم الآسيوية التي استشهدت بها، ستتحول مشاكلنا مع الغرب من نفي الهوية والحروب الثقافية، إلى إرساء خدمات مؤسساتية محترمة والبدء بخلق صناعة تقود الاقتصاد.ـ

آسف على الإطالة، وأفضل أن أكمل هذه الدردشة باللغة العربية، لأنه أسهل لي من جهة، ولأنه سيكون من الأنفع أن يساهم أو يقرأ سوريون آخرون من جهة أخرى.ـ

فيليب1 قال..ـ

تعليق جيد. قد لا تكون أزمة الهوية التي تشير إليها خطيرة ومؤثرة كما تبدو. صحيح أن سورية موزاييك من التجمعات. إذا كانت مجموعة ما ترى نفسها سورية أولاً وأي شيء آخر ثانياً، فإن الناس الآخرون يظلون ينظرون إليها حسب دينها أو حسب عرقها. وهذا لا يقتصر على سورية وعليك أن تسأل نفسك عن السبب.ـ

على الدولة أن تلعب دور البنية الفوقية الموحدة والبوتقة الصاهرة. والدولة لا يمكن أن تقوم بهذا إلا حين تؤمن الحماية والعدل للجميع، وحين تشجع الانسجام الاجتماعي وتضرب الممارسات التمييزية والفساد. وإلا كل شخص ينكفئ على نفسه ونعود إلى شريعة الغاب. الضعفاء يعودون إلى حماية جماعاتهم، الطائفة أو العائلة الممتدة. عندما يتحدث الناس عن الأمة الإسلامية (الأمة)، كهوية جامعة، فقد يكون ذلك صرخة يائسة من أجل التماسك الاجتماعي والعدل أكثر منه رسالة دينية محضة.ـ

إن غياب العدالة الاجتماعية بالمعنيين الاقتصادي والسياسي، هو السرطان الذي يجب أن نحاربه. إن العدد الكبير من الهويات الدينية والعرقية التي نراها هي رأس جبل الجليد في البحر السوري. وستبقى جبال الجليد هذه غارقة عميقاً إذا كانت الدولة تقوم بعملها على نحو جيد.ـ

النظام لا يحقق العدالة الاجتماعية لأنه فاسد في الأصل ويمثل مجموعة معينة وليس الأمة بكاملها. ولكي يستمر النظام عليه أن يحمي جماعته الخاصة ومصالحة الاقتصادية ضد غالبية السكان. وكلما كان النظام أكثر فساداً وأكثر انعزالاً كلما زادت العداوة لدى غالبية السكان وكلما شعر النظام أكثر بانعدام الأمن. ولا يستطيع النظام تحصين نفسه إلا بإبقاء الأمة السورية مقسمة سياسياً. وإحدى طرق تقسيم الأمة سياسياً هو التأكيد على الخلافات الدينية والعرقية، وجعل جماعة ضد باقي الجماعات. لا يحب الناس أن يروا هذه الانقاسامات محتدمة، وبالتالي فإن الرسالة الضمنية التي يرسلها النظام هي "سورية تحتاج إلى حكم حديدي لمنع الانقسامات".ـ

عندما تقول إن المفكرين السوريين يرقصون على رأس الدبوس في حين يشدد النظام من قبضته، قد تكون على حق وهذا ما يذكرنا بألم بصلتنا بالرجل العادي في الشارع. ولكن لا يوجد غموض بشأن ما نريد وبشأن الثمن الذي علينا دفعه لتحقيق أهدافنا. أشجعنا سجن ونفي. الخيارات هي: 1) تغيير تدريجي سلمي، 2) انقلاب عسكري، 3) انتفاضة شعبية. نحن قليلو العدد وليس لنا سوى أقلامنا نحارب بها. نحن نختار الخيار الأول لأنه الوحيد الذي لا يستدعي منا أن نطالب الناس بالتضحية بدمائهم ونحن نعيش براحة وأمان في بيوتنا في الغرب. قد يقول البعض إن في هذا جبن ونفاق. وقد يكون الأمر كذلك. أنا لا أريد أن أموت أو أن أقضي بقية حياتي في سجن سوري وأولادي يموتون من الجوع. ذلك لا يجعلني بطلاً في عيون معظم الناس (بل مجرد غبي) ولا يسقط النظام. ـ

وكما أشار ريتشارد نيكسون ذات مرة عن خصومه السياسيين: "الأفضل أن يكونوا معي في الخيمة ويتبولون إلى الخارج من أن يكونوا في الخارج ويتبولون إلى الداخل". ربما في يوم ما سيكون هناك عدد غير قليل من الليبراليين يتبولون إلى داخل خيمة النظام لإجباره على الخروج، وهكذا يمكنهم الانضمام إلينا!ـ

عمار قال... ـ

السوري في الشرق الأقصى، تثير الكثير من الأسئلة والقضايا المهمة كالعادة. أعتقد أن من الأسباب الرئيسية التي جعلت بلدان الشرق الأقصى تستجيب بشكل مختلف لتحديات الحداثة والتغريب، بعد فترة من التردد، والمواجهة والصراع مع الغرب، والذي لا تزال بعض آثاره قائمة إلى اليوم، يتعلق بأنهم في الشرق الأقصى يشكلون جسراً ومصداً بين عالمين، في حين نبقى نحن دائماً في الوسط. علاقتنا مع الغرب كشعوب وكدول، أقدم وأكثر تعقيداً ومباشرة. الغرب كان دائماً منافساً ومصدر تهديد، تماماً كما كنا نحن بالنسبة له. إن الاستشراق الذي توسع فيه المرحوم إدوارد سعيد وحلله في كتابه الذي يحمل نفس العنوان، يكشف عن روح "مستغرب" كانت وما تزال مزروعة عميقاً في لاشعورنا.ـ

هناك علاقة أيضاً للطبيعة المسيانية (التخليصية أو التبشيرية) للإسلام، وتوسعها مع الزمن إزاء المسيحية واليهودية أسبغ عليهما الشرف المريب في أنهما منافساه الرئيسيان، بالمعنى الديني – الثقافي، كما بالمعنى الاقتصادي السياسي. إن الهزيمة على يد الغرب أو الشعور بالدونية له في أي مجال كان، تشكل أمراً مهيناً ومحزناً بطريقة ما. ـ

علاقتنا مع الشرق الأقصى لم تولّد مثل هذه الحالة معهم. وكذا الحال بالنسبة لعلاقة الغرب مع الشرق الأقصى. لم يكن للصراع بين الغرب والشرق الأقصى، وإن يكن أكثر دموية في بعض المجالات، له ذاك التاثير الرضّي على شعوب الشرق الأقصى، لأن الرضّ هو نتيجة تصورات متبادلة كما هو نتيجة حقائق واقعية، ويتعلق كثيراً بطبيعة العلاقات بين الفاعلين المنخرطين. ـ

لهذا فإن التعلّم من الغرب وقبول تفوقه الحالي أمر إشكالي بالنسبة لنا، ولاسيما حين ينظر إلى هذا التفوق على أنه يتجاوز الجانب الاقتصادي والعسكري إلى الجوانب الثقافية والدينية. ولسوء حظنا، هناك القليل من الأصوات في الغرب ترى الوضع الحالي من خلال هذا المنظور. إن الانتصار المسيحي من جهة مقابل الانهزام المسيحي من جانب آخر لا يحلّ المشاكل. ـ

أما العلاقة بين الغرب والشرق الأقصى فإنها لم تستدع يوماً هذا البعد، وإن حدث فلوقت قصير، ولم تكن الجوانب المشمولة في كل جانب واسعة. ولكن بعدئذ، فقد يكون جهلي هو الذي يتحدث هنا، رغم أنه ليس كلياً إلى هذا الحد. وقد يكون للخبراء في المنطقة رأي مخالف في هذا الموضوع. ولكن من معرفتي السطحية لتاريخ العلاقة بين الغرب والشرق الأقصى تجعلني اقدم مثل هذا التفسير. ـ

" ما علمته هو التالي: لكي نبدأ جدياً ببناء هويتنا الحقيقية كسوريين، سنضيع في معضلات انقراض الهوية والحروب الثقافية وكل المشاكل التي وصفتها جيداً في مقالك... علينا أن نكف عن التفكير كمجموعة ضبابية التحديد (عرب، آسيويون، مسلمون) وأن نبدأ التفكير كأمة". ـ

عندي مشكلة مع فكرة الأمة. إنها شكل آخر من القبلية، شكل آخر من الانتماء الفارغ من المعنى في هذه المرحلة. لا أؤمن حقاً بأن الناس يحتاجون إلى أن يشتقوا شعورهم بالهوية من الدولة التي يعيشون فيها. أعتقد أن مبرر وجود الدولة هذه الأيام، على الرغم من تطورها التاريخي، يجب أن يكون تأمين الخدمات الضرورية والشعور بالأمن، ولكن ليس الشعور بالهوية بالضرورة. أعتقد أن ما نحتاجه هو صيغة يمكن أن نعيش وفقها براحة مع تعدد هوياتنا. ـ

لنتحدث تاريخياً، إن فكرة تطوير هوية معينة مرتبطة بالدولة قادت دائماً إلى حروب مهلكة. وحسب معرفتي، بلدان الشرق الأقصى ليست استثناء في هذا السياق. على هذا، ما أخشاه هنا، في سعينا إلى تطوير هوية سورية محضة، هو أنه سيكون على حساب علاقاتنا مع جيراننا، لأننا غالباً ما نؤكد هويتنا بشكل سلبي، كما لاحظت، وبالتالي فإن تأكيدنا على سوريتنا سيظهر على أنه مقابل تنامي الشعور العدائي حيال اللبناني والأردني والسعودي والعراقي..الخ كي لا نذكر الإسرائيلي بالطبع. ونحن نرى علامات ذلك سلفاً، وهذا شيء غير جيد. ـ

أكثر من ذلك، حقائق سورية تقول إن الأكراد غير مستعدين لهذا الاقتراح. وهكذا، ستتحول السورنة إلى إيديولوجيا عربية أخرى من منظورهم، ومحاولة أخرى لإنكار حقوقهم الثقافية الأساسية، لكي لا نذكر حقوقهم السياسية. بالفعل، وكما لاحظت بدايةً من عملي الخاص في مشروع ثروة في سورية، لا يقل عداء الأكراد للقوميين السوريين عن عدائهم للقوميين العرب. ـ

لهذا السبب، أعتقد أن ما نحتاجه هو صياغة علاقة براغماتية مع الدولة التي نعيش فيها. إن الإيمان بوظيفة الدولة وبالضرورة الوظيفية لها يمكن أن ينفعنا في هذه المرحلة أكثر من فكرة الانتماء القومي.ـ

لا يمكن أن نمنع الأكراد في سورية من الشعور بالتعاطف مع أبناء جلدتهم في العراق وتركيا وإيران، ولا يمكن أن نمنع المسلمين في سورية من التعاطف والتشارك مع المسلمين في كل مكان، كما لا يمكن أن نمنع المسيحيين السوريين من التعاطف مع الثقافة الغربية، التي هي بالنسبة لهم، مسيحية، على الأقل بالمعنى الثقافي، بغض النظر عن الدقة أو عدم الدقة التاريخية لهذا الرأي. ـ

ما نحتاج أن ندعو إليه هو شعور أشد بالصلة مع الشعور الحقيقي والمباشر بالمعنى الجسدي والدنيوي. بكلام آخر، يجب أن نظهر أن الاهتمام بهذه الدولة الاتفاقية التي هي سورية، هو أقصر وأضمن طريق لهم لتحسين شروط حياتهم ولتحقيق بعض أحلامهم وطموحاتهم الشخصية، إضافة إلى إدراكهم أن هذا يتفق مع الخير العام. نحتاج إلى شعور وطني، إلى شعور وطني منقى أيضاً، وليس إلى شعور قومي. ـ

بكلمة منقى أقصد الشعور الذي يمكن أن يقبل بحل سلمي للدولة أو بإعادة رسم الحدود، بروح نموذج التشيك/السلوفاك إذا استدعى الأمر. لأنه في هذا العالم، ماذا يعني الانفصال حقاً، إذ لا يمكن التغلب على الروابط الاقتصادية، ويمكن للتعاون الإقليمي أن يساعد في تعديل العواقب الاقتصادية السيئة. إن أي ترتيب يمكن أن يمنع صراعاً إقليمياً، يمكن التعايش معه هو ترتيب جيد في المآل الأخير. لا يقلقني الغزو الخارجي كما تقلقني الصراعات الإقليمية، لأن الغزو وحتى الاحتلال أثبت أنه أقل دموية من الصراعات الإقليمية. لقد كنا قساة فيما بيننا أكثر من قسوة القوى الأجنبية علينا.ـ

أما بالنسبة لي، يكفيني أن أكون إنساناً. يكفيني فعلاً. فهذا يعطيني الشعور بالقدرة على التواصل مع الميراث الثقافي للجنس البشري كله، وأعتقد أنه شعور يمنح القوة والغنى. ميراث الشرق الأقصى والأدنى ليس غريباً عني، وكذلك ميراث الغرب بالطبع. درست تاريخ منغوليا وكوريا في الجامعة، وكنت أفكر في متابعة دراسة الماجستير عن تاريخ آسيا الوسطى، قبل أن تتمكن مني ميولي الروائية وتجعلني أعود إلى سورية.ـ

أخيراً دعني أشكرك على مجاملتك، فهي تعني لي الكثير. ـ

أليكس قال...ـ

تعليقات ممتازة يا عمار.ـ

بخصوص هذا الجزء:ـ

" أعتقد أن مبرر وجود الدولة هذه الأيام، على الرغم من تطورها التاريخي، يجب أن يكون تأمين الخدمات الضرورية والشعور بالأمن، ولكن ليس الشعور بالهوية بالضرورة". ـ

قبل شهرين، هل يمكنك إقناع الايطاليين المهاجرين في أمريكا الذين كانوا يحتفلون في شوارع نيويورك بعد فوز فريقهم بكأس العالم، أن إيطاليا"هم" ليست سوى أمن وخدمات ضرورية؟ـ

هناك الكثير من المتعة والألم المتأتي من إلزام نفسك "بعلاقة" وثيقة مع بلدك...أنت تقرر مدى العاطفة التي تود الشعور بها.ـ

بالطبع مدى نجاح دولتك، قد يؤثر على رغبتك في المزيد من الارتباط بها.ـ

عمار قال...ـ

نقطة جيدة أليكس، تناول جيد.ـ

من ناحية أخرى، وربما مرتبطة، دعني أدل المتحدثين العرب في البلوج، على التقرير الممتاز الذي أعدته واحدة من أهم الناشطين في مجال حقوق الإنسان في سورية، رزان زيتونة، حول الحركات الإسلامية في سورية، والذي نشر على موقعنا (إلى أين سورية؟) في مجتمع ثروة. أعتقد أنه أشمل دليل موجز رأيته عن الموضوع حتى الآن.ـ

كما أود لفت الانتباه إلى أن لائحة حقوق الإنسان المقترحة لسورية نشرت قبل يومين على موقع (سورية الافتراضية).ـ


3 Comments:

Blogger Amarji said...

في الحقيقة، وربما في حين يميل بعضنا إلى النظر إلى هذه الأوطان على أنها مخترعة ومصطنعة إلى حد ما، لكن التاريخ إن أنبأنا بشيء فبأن كل الأوطان مخترعة إلى حد ما، بل إن نظرية العقد الاجتماعي تميل إلى تحويل اختراع الأوطان والدول إلى فضيلة باصرارها على أن الأفراد يوافقون على الانتماء إلى دولة ما لتحقيق مكاسب معينة للجميع.ـ

وبالتالي، علينا أن لا ننشغل كثيراً فيما يتعلّق بالقضايا الحدودية وبقضية المنشأ التاريخي للدول، المهم هو الاتفاق على عقد اجتماعي مناسب لكل الأطياف المشكلة للدولة القائمة حالياً يسمح باحترام الحقوق الأساسية للجميع، ويسمح برفع بعض المظالم القديمة وتصحيحها، والحول دون وقوعها في المستقبل.ـ

ولأسرع هنا لأوضح، تجنّباً لأي سوء تفاهم، أن كلامي لا يعني بأي حال التخلّي عن أي شبر من أرض لنا محتلّة، فالاحتلال ظلم لا بدّ من رفعه، وحطأ لا بد من تصحيحه، وما تزال الذكرى هنا عالقة في الأذهان، وما تزال الجراح تنزف. المغزى من وراء كلامي هو الابتعاد عن السعي وراء وحدة اندماجية الطابع وعن رفض حدود بات لها وقعها ومصداقيتها في العقول والصدور، عل نحو ما فعله صدام في الكويت، وما فعله نظام الأسد في لبنان.ـ

Sunday, October 08, 2006  
Blogger get rich said...

هل تريد أن تكون عضوا في المحكمة المتنورين من بيس والثروات كما الأخوة التي يمكن أن تجعلك الأغنياء من أي وقت مضى، ويمكن أيضا جعل اسمك شهرة وقوة للسيطرة على الناس في أماكن عالية في جميع أنحاء العالم، أصبح عضوا في المتنورين جميع ومشقة المعيشة الخاصة بك أن تكون الرياضة. حياتك سوف موسع ولن القمع نفس كلمن المال سيكون الرياضة، وسوف تكون غنية ومشهورة دون أي ضغوط وتعويذة الخاص بك سوف أعطيكم إذا كنت مهتما يرجى الاتصال بنا الآن؟ عبر morganilluminatirich@gmail.com أو الاتصال +2347061824880
المشاهير النفوذ والثروة

Saturday, August 13, 2016  
Blogger Unknown said...

الانضمام للالمتنورين يجلب لك
الى الاضواء من العالم
أي أنت نعيش فيه اليوم.
الصعوبات المالية التي تتعامل
وضع حد. نحن ندعمك
ماليا وماديا
تأكد من يعيش حياة مريحة،
لا يهم أي جزء من
العالم الذي نعيش من الناحية
الولايات المتحدة الأمريكية وصولا الى MOST
الجزء الأرض من بعد، وجئنا
YOU ALL YOU
يريد. كونه أميا أو
القراءة والكتابة ليست عائقا إلى كونه
مليونير بين اليوم و
THE NEXT أسبوعين. وجودك في
هذا لدينا الرسمية اليوم الموقع
يدل على أن تكنولوجيا المعلومات قد تم طلبها و
توزيع: والعظيم LUCIFER بأن
من الان فصاعدا،
أنت على وشك أن ريال مدريد و
الإنسان المستقلة يكون لديك دائما
تمنى كان أنت. نحن دونا € ™ T
تميز كما ان المشاركة المتنورين
يجمع
YOU الى الاضواء OF THE WORLD
التي تعيش في اليوم. ك
صعوبات مالية يتم إحضارها
إلى نهايته. نحن ندعمكم كلا
ماليا وماديا لضمان
كنت تعيش حياة مريحة، أليس كذلك
لا يهم أي جزء من العالم
كنت تعيش من الولايات المتحدة
وصولا الى الجزء النائية
THE EARTH، ونحن نقدم لك كل ما
يريد. كونه أميا أو
القراءة والكتابة ليست عائقا إلى كونه
مليونير بين اليوم و
NEXT أسبوعين. أنت يجري في هذا
موقعنا الرسمي يدل اليوم
انها مرتبة وتوزيع:
THE LUCIFER عظيم
من الآن فصاعدا، أنت على وشك
يكون هذا الإنسان الحقيقي والمستقل
كنت أتمنى دائما كنت.
نحن دونا € ™ ر تميز IF YOU ARE
أبيض أو أسود.
الاتصال بنا: على ال WhatsApp عبر +2348167471381 أو مراسلتنا على illuminatitemple507@gmail.com

Tuesday, December 13, 2016  

Post a Comment

<< Home