.comment-link {margin-left:.6em;}

Sunday, November 05, 2006

إِشْرَاك سوريا – فرصة أم فَخّ؟


ما يلي هو ملخّص مُكَثَّف لما قدَّمْتُهُ في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكينغز". وكان "الطرف الآخر"، إذا جاز القول، مُمَثَّلاً بشريكي المُفَضَّل جوشوا لانديس.ـ



- كما هي الحال في المشاركة العسكرية، فإنَّ للمشاركة السياسية قواعدها. وإحدى هذه القواعد هي التالية: عند التعامل مع أنظمة سلطوية فاسدة، خاصةً إذا كان لديها بعض الحافز الإيديولوجي مهما يكن ضئيلاً، لا تُعط أكثر مما تأخذ، وإلا انتهيت إلى خلق مشكلة في المستقبل أكبر من تلك التي تحاول أن تحلّها.ـ


- حقيقة أن سوريا وإيران مهمّتان وحيويتان في المنطقة لا يعني بالضرورة أنَّ من الممكن إشراك النظامين أو أنَّ قواعد المشاركة السياسية المقترحة هي قواعد عملية ويمكن أن تفضي إلى النتائج المرغوب فيها: السلام والاستقرار في المنطقة، وبعض التقدّم الملموس في الحرب العالمية على الإرهاب، حيث يبدو هذا الأمر الأخير وكأنه يشكّل سياقاً عاماً للتدخّل الأميركي الحالي في المنطقة وللدافع الديمقراطي بأكمله.ـ


- أولئك الذين يدافعون عن إشراك آل الأسد يميلون إلى تصويرهم كزعماء قوميين، لكن في الوقت الذي يمكن أن نصدّق فيه نوعاً ما من يقول إن حافظ الأسد كان قائداً قومياً، رغم أخطائه وعيوبه، فإن بشار وشركاه يبدون مدفوعين بالطمع الشخصي وشهوة السلطة أكثر من الاعتبارات القومية. لا، هذا لا يعني أن آل الأسد مجرّدون تماماً من القناعات والمصالح القومية، بل يعني أنهم غالباً ما يميلون إلى الخلط بين هذه المصالح القومية والمصالح الشخصية، والعائلية، وبدرجة أقلّ الطائفية، وغالباً ما يتجاوزون الحدّ فيما يتعلق بالمصالح الشخصية والضيقة.ـ


- أولئك الذين يدعون إلى إشراك آل الأسد يبدون دوماً على استعداد لأن يسلّموا، حتى قبل إجراء أية مباحثات، ليس الجولان وحسب، بل أيضاً لبنان، وأجزاء من العراق والمناطق الفلسطينية لكي يمارس فيها آل الأسد سيطرة مباشرة أو غير مباشرة. غير أنه ليس من الواضح مطلقاً ما الذي يجعل في مصلحة الولايات المتحدة أن تسلّم كل هذا القدر لنظام فاسد وسلطوي جَعَل من هزيمة الولايات المتحدة شغله الشاغل لعقود؟ كيف يمكن لمثل هذه التنازلات أن تجعل آل الأسد أقلّ رغبة في إلحاق الهزيمة بالولايات المتحدة؟ وما الضمانات لئلاّ يسيء آل الأسد إدارة شؤون مجالهم "المُكْتَسَب" فلا يغدون أكثر طموحاً وإشكالية في المستقبل؟


- القسوة التي تم بها التعامل مع التحقيق في مقتل الحريري من قِبَل دعاة الإشراك هي قسوة لافتة بالفعل، إذْ يبدوا أنهم مرتاحون تماماً لفكرة تقويض المحكمة الدولية. كيف يمكن أن نتوقّع من دول هذه المنطقة أن تحترم حدود واحدتها الأخرى وسيادتها حين يبدو المجتمع الدولي جاهزاً دوماً للخضوع لمطالب وابتزاز وتهديد العناصر التي تمارس أشد عمليات البلطجة وقطع الطرق؟ إننا نريد أن تمتثل دول هذه المنطقة، بما فيها إسرائيل، للمعايير والأعراف الدولية المتفق عليها، لا أن تمتثل المعايير والأعراف الدولية للأهواء المحلية والإقليمية في القسوة والخروج على القانون. فالإلحاح على إبقاء هذه المنطقة خاضعة للمحاسبة على أساس مجموعة من القواعد مختلفة وأدنى أخلاقياً لن يعمل إلا على تعزيز هذه القواعد المختلفة وترسيخها.ـ


والأقسى من ذلك على هذا الصعيد هو رفض النظر في التأثير الذي يمكن أن يحدثه إهمال التحقيق في مقتل الحريري على لبنان، والذي بدأ يتجلّى بعد مقتل الحريري مباشرةً. فمثل هذا التطور يمكن أن يمهّد الطريق أمام انفجار نهائيّ ويفسح المجال أمام سيطرة حزب الله على لبنان. فكيف يمكن أن يخدم ذلك مصالح الولايات المتحدة، وكيف يمكن لانفجار لبنان، أو وقوعه تحت سيطرة عليه منظمة إسلاموية، أن يخدم السلام والاستقرار في المنطقة؟


- ينبغي الربط بين النقاط السابقة وتطورات معينة كانت قد حصلت في السنوات الماضية وكثيراً ما يتم تجاهلها على الرغم من صعوبة ذلك، أعني: الإقصاء الأخير لإثنين من منافسي إيران التقليديين، وهما طالبان ونظام صدام. وبذلك تكون مقاربة الإدارة الأميركية القائمة على المواجهة قد عملت على دَعْم النظام الإيراني. وما يقترحه المدافعون عن الإشراك الآن هو دعم نظام آل الأسد وحزب الله، حليفي إيران الأساسيين في المنطقة. وعند النظر في ذلك كله، لا يسع المرء ألاّ يتساءل: هل صنّاع السياسة الأميركيون منخرطون على نحو نشط وهادف في محاولة إعادة خلق الإمبراطورية الفارسية، أم أنهم مجرد أشخاص ضعاف العقول ومازوخيين متعصبين؟


- إن المدافعين عن الإشراك يتحدثون عنه كما لو أنّه مهمة آلية بسيطة. وهم ينسون أنه قد جُرِّبَ من قبل وفشل، ليس فقط في عهد حافظ الأسد، بل في عهد بشار، كما في المفاوضات المتعلقة باتفاق الشراكة الأوروبية المتوسطية، وهو اتفاق كلّه جزر دون عصيّ في جوهره، تلك المفاوضات التي تواصلت لأكثر من ثلاث سنوات، بعد أن تجمدت أثناء حكم والده خمس سنوات. لتقوم إدارة بوش بعد ذلك بالضغط على الاتحاد الأوروبي لإضافة بند خاص على الاتفاق، نتيجة لموقف المواجهة الذي اتخذه بشار ضد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق. وهذا ما وضع حداً لتلك المفاوضات في الوقت الراهن.ـ


فلماذا تواصلت المحادثات كل هذه الفترة بشأن اتفاق شديد الوضوح؟ لأنَّ تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي يقتضيها الاتفاق سوف يضرّ بمصلحة النخبة الحاكمة وسوف يفتح النظام، سياسياً واقتصادياً، بتسارع أكبر مما يرتاح له آل الأسد، وهم ما هم عليه من تقلّب الأطوار والأهواء.ـ


وبالمثل، فإنَّ محادثات السلام، ما إن تبدأ، حتى يكون من المرجّح أيضاً أن تتواصل وتتواصل، بصرف النظر عن أية وعود أو التزامات أو ضمانات قد تُعْطَى في البدء. وهذا ما سيوفّر لآل الأسد والإيرانيين الذين يدعمونهم الوقت الكافي لتحطيم التحالف الدولي القائم في مواجهتهم، خاصة وهم يرون الروس والصينيين لا يقفون الموقف ذاته، وأنَّ لدى الأوروبيين 25-30 رأياً بشأن أي شيء وكلّ شيء، وأن لدى الأميركيين رأيين، يكونان في بعض الأحيان بعيدين عن الاستنارة كلاهما. ولدينا، من الطرف الآخر، نظامان ديكتاتوريان يناقشان استراتيجياتهما وتكتيكاتهما خلف الأبواب المغلقة، وليس في مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام وعلى شبكة الإنترنت.ـ


- هل يمكن لآل الأسد أن يكونوا ذوي فائدة في الحرب العالمية على الإرهاب؟ نظراً لكون الطابع الطائفي الأقلوي الذي يميز نظام آل الأسد واحداً من العقبات الأساسية التي تواجه هذا النظام، فإنَّ قدرته على إجراء إصلاحات علمانية لطالما كانت ضعيفة. وحقيقة الأمر، أنَّ النظام – على الرغم من تصفية الحساب مع الإسلاميين، بين سواهم من الجماعات المعارضة، في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وربما بسبب تصفية الحساب هذه – كان قد اضطر إلى تطوير استراتيجية احتواء مزدوجة فيما يتعلّق بإسلاميي البلد والطائفة السنية الأكثرية بوجهٍ عام.ـ


ففيما يتعلّق بالقضايا الاجتماعية والتربوية، تفسح سياسات النظام المجال أمام المذهب السني التقليدي وحكم الشريعة وتشجّع على نشرهما في البلد كلّه، مستخدمة في ذلك المقررات الدينية الإلزامية في البلد والسماح بإقامة مدارس عامة تلحّ على التربية الدينية وحفظ القرآن.ـ


أما فيما يتعلّق بالتيارات الناشطة سياسياً، فالنظام يشجّع على تبنّي ترتيبات خاصة تسمح لمنظمات إرهابية شتى باستخدام البلد كقاعدة عمليات وملجأ آمن في الوقت الذي تنفّذ عملياتها الفعلية في الخارج، غالباً في تطابق مع مصلحة معينةٍ مُتَصَوَّرة للنظام (وقد سبق لهذا النظام أيضاً أن استغل خدمات القواعد الفلسطينية الوطنية العلمانية على هذا الصعيد). وبعبارة أخرى، فإنّ آل الأسد يصدّرون مشكلتهم الإسلامية. وإلقد رأينا كيف لجؤوا إلى ذلك مؤخّراً فيما يتعلّق بالوضع في العراق، لذا، هنالك سبب وجيه للاعتقاد بأنهم سيواصلون القيام بذلك في المستقبل المنظور، حتى لو منحهم المدافعون عن الإشراك كلّ ما يريدونه. فإدراك آل الأسد للتهديد الإسلامي الذي يواجههم لطالما كان شديداً ومُنذراً بالخطر لأنهم ينظرون إلى كامل التطور من ضمن موشور طائفي محض. وبذلك يكون الدور الفعلي لآل الأسد في الحرب العالمية على الإرهاب دوراً سلبياً إلى أبعد الحدود، خاصةً أن طريقتهم المفضّلة في مقارعة الإرهاب هي تصديره، وجَعْلِه مشكلةَ أحدٍ ما آخر، ومن الأفضل أن يكون هذا الآخر الولايات المتحدة. وجلّ ما بوسع آل الأسد تقديمه في هذا الصدد هو القيام بتعذيب بعض المتهمّين بالنيابة، كما فعلوا في حال ماهر عرار وغيره.ـ


- خاتمة: حين نأخذ النقاط السابقة جميعاً بعين الاعتبار، يتّضح أن الاقتراحات الحالية الرامية إلى إشراك آل الأسد لن تقوى على تحقيق الهدف المرغوب، وقد يكون لها مردودها العكسي بسهولة. ذلك أنّها جميعاً تنتهك روحاً ونصاً تلك القاعدة الأساسية في الإشراك السياسي والتي سبق أن أشرنا إليها، فهي تنزع إلى أن تعطي أكثر بكثير مما يمكن أن تأخذه. وهي بذلك سوف تحمي آل الأسد، وتنظّفهم وتُعِدّهم كقوة إقليمية خطرة تماماً يمكن لها، مع حليفيها الوثيقين والقويين مؤخّراً، إيران وحزب الله، أن تشكّل تهديداً هائلاً لمصالح الولايات المتحدة وآفاق الاستقرار والسلام في المنطقة. وعلاوةً على ذلك، فإنَّ إشراك آل الأسد، بدلاً من أن يشكّل بعض التقدّم الملموس في الحرب العالمية على الإرهاب، يمكن أن يجعل المشكلة أسوأ، ذلك أنه في معركة التصورات، سوف يُرَى باعتباره قلباً للسياسة المُعْلَنَة في تغيير النظام من طرف الولايات المتحدة، فما بالك بفرنسا، وهو أمر لا يمكن إلا أن يشجّع الإرهابيين ويمكّنهم.ـ


- توصيات: إذا كان الإشراك ضرورياً، ينبغي أن يتم في سياق مقاربة إقليمية شاملة لا تفسح مجالاً كبيراً أمام المفسدين ولا تتجاهل قضايا الشرعية الدولية المتعلقة بالتنفيذ الكامل لجميع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما فيها الخاصة بإسرائيل، و/أو الحاجة إلى إصلاحات سياسية واقتصادية جدّية في معظم، إن لم يكن في كلّ، الدول المعنية. كما ينبغي إشراك ممثلي حركات المعارضة، والمجتمع المدني، ونشطاء الديمقراطية وحقوق الإنسان فضلاً عن المثقّفين، في المحادثات كوزن يقابل وزن الأنظمة وبغية تمثيل مصالح واهتمامات شعوب المنطقة بشكل الصحيح. أما المقاربات الخطرة التي لا تهدف إلا لتلبية حاجات طرف واحد دون النظر الكافي إلى التشعبات الداخلية أو الإقليمية فسوف يكون لها مردود عكسي، وقد سبق أن كان لها مثل هذه الآثار السلبية على المنطقة والتي تمثّلت بتدعيم مواقف الفاعلين والأنظمة البلطجية، وآل الأسد مثال على ذلك.ـ

0 Comments:

Post a Comment

<< Home