.comment-link {margin-left:.6em;}

Thursday, September 28, 2006

المسألة العلوية

عن أمارجي

على موقع "سيريا كومنت" ثمّة ركن لافت لكاتب ضيف يطرح فيه القضايا بالغة الأهمية الخاصة بالحكم العلوي في سوريا من وجهة نظر علوية كانت غائبة إلى الآن. ويقوم هذا الركن بعمل جيد في تلخيص ما يهم العلويين، ويطرح أسئلة معينة يطالب أبناء الطوائف الأخرى في سوريا بالإجابة عنها لإقناع العلويين في لعب دور في تغيير الأوضاع في البلد واتخاذ وجهة مناوئة لآل الأسد.ـ

والحال، أن قضية الانقسام السني-العلوي، أو الانقسام العلوي–جميع الآخرين إذا أردتم، هي واحدة من القضايا الأساسية، إِنْ لم تكن القضية الأساسية، التي تحتاج إلى تناول كيما يكون للتغيير السلمي فرصة في البلد. وقد عُنِيتُ بهذه القضية في هذا الموقع عدداً من المرات من قبل، غير أنَّ عليَّ القول إنّ التعليقات غالباً ما كانت تنزع إلى العمومية المفرطة، والبعد عن الإلهام.ـ

إنني أعتقد الآن أن أفضل طريقة لتناول هذه القضية تتمثّل في عقد ندوة للمثقفين والخارجين على النظام المعروفين بقصد التوصّل إلى مسودة اتفاق أو ميثاق وطني يتم فيه تناول هذه القضايا جميعاً. وعندئذٍ، يمكن أن نطالب جماعات المعارضة السورية بأن توقع عليه. ومن ثم يتم دعوة من وقّع إلى مؤتمر عام (يحضره المثقفون بصفتهم الشخصية ، في حين يُطْلَب من الجماعات المنظمّة إرسال وفود تمثّلها لا يزيد عدد أعضائها على 10 ممثلين) تجري فيه انتخابات لتشكيل حكومة في المنفى تشتمل على برلمان، ورئيس وزراء وحكومة مصغَّرة.ـ

فقد يُثْبِتُ هذا الجمع بين طابع وطني وحكومة منفى منتخبة أنه صيغة جيدة تثير اهتماماً شعبياً ويدعمها الطيف السياسي والطائفي في البلد.ـ

غير أننا نحتاج، في سياق مناقشة القضايا ذات الصلة، إلى أن نهتمّ بعدد من النقاط:ـ

أولاً، على الرغم من شكّ كثير من العلويين بأن السّنة معادين لهم، إلا أن قلة من السنّة وحسب هي التي تناهض العلويين في حقيقة الأمر. صحيح أن معظم الخارجين على النظام في سوريا هم من السنّة، لكن جلّهم كانوا ليرضون، في السنوات القليلة الأولى من حكم بشار، لو أنه نفّذ بعضاً من الإصلاحات السياسية الضرورية. ولأنَّ كثيراً من هؤلاء السنّة هم علمانيون في الحقيقة، على الرغم من نزوعهم المحافظ في كثير من القضايا الاجتماعية، فإن استمرار الحكم العلوي بضع سنين أخرى كان ليعمل، من وجهة نظرهم، كضمانة في مواجهة الحكم الإسلامي. غير أنَّ هذا الخط من التفكير كان خطاً واهماً في واقع الأمر، وسبيلاً اتّبعه الزعماء السنّة للتنصّل من مسؤوليتهم تجاه طائفتهم. ذلك أن أحداً لا يمكنه أن يستوعب المتعصبين لدى سواه. وعلى كل الحال، يبدو من الواضح أنَّ النافذة قد أُغلِقَت الآن على هذه المسألة. ومعظم الخارجين على النظام وشخصيات المعارضة من السنّة، داخل البلد وخارجه، قد انتقلوا إلى تبنّي الالتزام الكامل بتغيير النظام.ـ

ثانياً، نحتاج أيضاً لأن نبقي في الأذهان أنَّ التصورات التي نُعْنَى بها، على الرغم من شعبيتها في المناطق المعنيّة، ليست صائبة تاريخياً بالضرورة. خذوا مثلاً شكاية العلويين من سوء معاملة السنّة لأسلافهم. فمثل هذا القول ليس سوى تعميم مفرط. وحقيقة الأمر، أن كلاً من الإقطاعيين الذين أساؤوا المعاملة والفلاحين الذين أسيئت معاملتهم كانوا من خلفيات طائفية متعددة، بما فيها المسيحية والإسماعيلية والسنية إضافة إلى العلوية. بل إنَّ العلاقات بين الإسماعيليين والعلويين لا تزال تنزع إلى اليوم لأن تكون متوترة بشأن هذا الموروث، الأمر الذي تدّل عليه الصدامات المتعددة التي جرت في العام 2004. غير أن الديمغرافيا هي الديمغرافيا، ويبقى السنة هم الأغلبية، ولذلك يُبَالَغ في تصوير مشاركتهم في جريمة الاضطهاد من كل الأطراف، على الرغم من أنهم يمثلون عددياً غالبية الضحايا أيضاً. لذا، وبالرغم من أنه ليس بوسعنا أن نتجاهل حقيقة هذه الانطباعات الشعبية، التي تمثّل العلويين كضحايا للسنة، أو السنة كضحايا للعلويين، لا نستطيع، كنخب قيادية في المجتمع السوري، سواء كنا منتخبين أم لا، وسواء كنا (وغيرنا) سعداء بهذه الصفة أم لا، لا نستطيع أن نوافق على هذه التصورات والانطباعات التبسيطية، وإلا لتقوّضت بشدة قدرتنا على إجراء مناقشات ذات معنى مع بعضنا بعضاً.ـ

ثالثاً، ينبغي أن يكون واضحاً هنا إنَّ إجراء انتخابات ديمقراطية لا بدّ أن يعبّد الطريق أمام دور سني كبير، بل مسيطر، في عملية صنع القرار، نظراً لكون الديمغرافيا على ما هي عليه. ولذلك، إنْ لم يكن بمقدور الناس أن يقبلوا بهذا الأمر، فمن الأفضل إذاً أن يكفوا إذاً عن الادعاء بإنهم مهتمين حقاً بالديمقراطية. ولكن، وبدلاً من المراهنة على تطوير نظام سوف يواصل تهميش الأكثرية، ويزيد تالياً من توحّدها الطائفي، نحتاج لأن نقوم بترتيبات جديدة معينة بغية الحيلولة دون صعود أي شكل من أشكال الحكم السلطوي سواء ارتكب سلطويته هذه باسم أكثرية معينة أو أقلية معينة، كائنة ما كانت. فالمطلوب هنا هو منظومة من الكوابح والتوازنات تقوم على مبدأ المحاسبة العامة، والشفافية، وحكم القانون، واحترام الحريات الأساسية.ـ

رابعاً، وينبغي هنا أن نتصور دوراً للجيش يقوم على حماية المنظومة آنفة الذكر، كما هو الحال في تركيا، بل ويُفَوَّض لفترة معينة من الزمن، لتسكين المخاوف السائدة لدى عدد من طوائف الأقلية، دع عنك السنّة العلمانيين، مهما تكن ميولهم السياسية. ولكن حتى هذا التدبير لا يمكن تحمله إلى الأبد. ونحن جميعاً نحتاج، في التحليل الأخير، لأن نتعلّم كيف نثق بعضنا ببعض من جديد ونبني جسوراً بين الطوائف المختلفة ومؤسسات ترمي إلى تمتين الروابط بين الطوائف (وهنا يخطر في الذهن ما نقوم به من نشاط في مشروع ثروة).ـ

خامساً، الوضع الراهن لن يدوم إلى الأبد، وسوف يأتي التغيير عاجلاً أم آجلاً، وسوف يأتي، في الواقع، بأسرع مما يتوقّع أيّ منا. فالعام 2006 ليس في النهاية العام 1006، والأمور تجري بوتيرة سريعة. والأسر الحاكمة لن تبقى لمئة سنة أخرى قطعاً. ولذلك، فإنَّ على العلويين أن يفيدوا من حقيقة أنهم في موقع السيطرة في هذه المرحلة، وأن يحاولوا استغلال وضعهم هذا لعقد أفضل صفقة ممكنة. إذ كلما أخّروا أمد ذلك، زاد إحباط السنّة وزاد تعصّبهم وتصلّب مواقفهم. والحقيقة، أنّ علينا أن ننتبه هنا إلى أنه مثلما توجد داخل الطائفة العلوية تيارات ترتاب في التغيير، فإن هناك داخل الطائفة السنيّة أيضاً تيارات تريد هذا التغيير مهما كان الثمن، ومستعدّة لأن تنتظر اللحظة المناسبة للقيام بذلك. وهذه التيارات السنية تزدهر في البلد الآن بفضل رعاية آل الأسد الذين يعتقدون أن بمقدورهم السيطرة عليها، وهذا وهم مطلق بالطبع. والوحيدون الذين يمكنهم أن يستوعبوا هؤلاء المتعصبين السنّة كما لاحظنا من قبل، هم المعتدلون السنّة، والطريقة الوحيدة لتمكين المعتدلين السنّة من فعل ذلك هي بعقد صفقة مع العلويين تعطيهم دوراً في عملية صنع القرار تكون أكثر تناسباً مع وزنهم الديمغرافي والاقتصادي. فكما لا يستطيع السنّة أن يتخلّصوا من آل الأسد وحدهم. لا يستطيع العلويون أن يستوعبوا المتعصبين السنّة وحدهم. والآن أكثر من أي وقت آخر، يحتاج المعتدلون من جميع الأطراف بعضهم بعضاً.ـ

في الصراع لاستيعاب الأزمة الوشيكة نحتاج لأن نعلم أنَّ الزمن ليس في صفّنا، وأنَّ السبيل الوحيد لجعله في صفّنا هو حين نشرع في مسيرة صحيحة ونأخذ نحن بزمام المبادرة في تسوية أمورنا، إذ لم نقم بذلك منذ مدة طويلة، وانظروا إلى أين أوصلنا هذا...ـ

1 Comments:

Blogger Amarji said...

"وليتنا نستفيد من أفكار الفيلسوف السوري الكبير "عبد الرحمن الكواكبي" الذي أشار قبل أكثر من 100 عام إلى ان التعدد هو نعمة يجب الاستفادة منها كما فعلت أميركا التي قامت حضارتها على جهود شعوب أتتها من كل أنحاء الأرض واستطاعت أن تجد صيغة توحدها وتجمعها في بلد واحد"ـ

هذا بالضبط ما علينا أن نقوم به، بشكل أو آخر، ومهما كان التحدي الماثل أمامنا كبيراً، لأن سورية لن تنهض إلاّ على أساس التعددية واحترام الآخر والمواطنة. ـ

Thursday, September 28, 2006  

Post a Comment

<< Home